لك هذا الرجل يا أبا اسحاق فأبكاك؟ فقال وهو يحدثنا لا يريد أن يقول شعراً:
قال لي مات سعيد بن وهب ... رحم الله سعيد بن وهب
يا أبا عثمان أبكيت عيني ... يا أبا عثمان أوجعت قلبي
قال فعجبنا من طبعه، وانه يحدث فكان حديثه شعراً موزونا، وإنا نرجح هذه الرواية بورودها عمن شاهد هذا الشعر حين يقال وعاينه بنفسه، ولعل الفضل غير فيه هذا التغيير، ثم رواه بذلك الشكل ليزري به على أبي العتاهية بعد أن فسد ما بينهما على ما ذكرنا
ومما أنكر على أبي العتاهية قوله:
حلاوةُ عيشك ممزوجةٌ ... فما تأكل الشهد إلا بسَم
فالمعنى صحيح لأنه جعله مثلا لبؤس الدنيا الممازج لنعيمها، والعبارة غير مرضية، لأنا لم نر أحداً أكل شهدا بسم، وأجود من قوله لفظاً، وأصح معنى، قول ابن الرومي:
وهل خُلةٌ معسول الطعم تجْتَنى ... من البيض إلا حيثُ واشٍ يكيدُهَا
مع الواصل الواشي وهل تجْتَنِى يَدٌ ... جَنَى النحل إلا حيثُ نحْلٌ يذُودُها
وأنكر عليه أيضاً قوله:
يا ذا الذي في الحب يَلحَى أمَا ... والله لو كُلِّفتَ منه كما
كلفتُ من حبْ رخيم لَمَا ... لمتَ على الحب فذرني وما
ألقى فإني لستُ أدري بما ... بُلِيتُ إلا أنني بينما
أنا بباب القصر في بعض ما ... أطوف في قصرهم إذ رَمَى
قلبي غزالٌ بسهام فما ... أخْطَأ بها قلبي ولكنما
سهماه عينان له كلما ... أراد قتلي بهما سَلمَّا
فانه من الشعر المضمن، والتضمين عندهم عيب شديد في الشعر، وخير الشعر عندهم ما قام بنفسه، وخير الأبيات ما كفى بعضه دون بعض، مثل قول النابغة:
ولست بمستبق أخاً لا تَلمهُ ... على شعثٍ أيُّ الرجال المهذَّبُ
فلو تمثل إنسان ببعضه لكفاه، إن قال (أي الرجال المهذب) كفاه، وان قال (ولست بمستبق أخا لا تلمه على شعث) كفاه، وقد سبق أني لا أرى رأيهم في عيب هذا التضمين، ولست