أدري لماذا لا نجيز في الأسلوب تفصصي هذه القطعة الشعرية البارعة المتماسكة، فيكون لنا من تماسكها وحدة شعرية ملائمة لوحدة قصتها، كما يكون لنا في الحكم ونحوها أبيات مستقلة، فيها يقوم كل بيت منها حكمة قائمة برأسها.
أما محاسنه وعيون شعره فنذكر منها ما اثر عنهم، واستحق به التقديم عندهم، قال موسى بن صالح الشهرزوري: أتيت الخاسر فقلت له أنشدني لنفسك، قال لا ولكن أنشدك لأشعار الجن والإنس، لأبي العتاهية، ثم أنشدني قوله:
سكنٌ يبقى له سَكنُ ... ما بهذا يؤذن الزَّمَنُ
نحن في دار يُخَبّرُنا ... ببَلاهَا ناطق لَسِنُ
في سبيل الله أنفسُنَا ... كلنَا بالموت مُرْتهَنُ
كلُّ نفس عند ميتها ... حَظُّها من مالها الكفن
أن مَالَ المرء ليس له ... منه إلا ذكرُهُ الحسن
وقال بشار لأبي العتاهية: أنا والله استحسن اعتذارك من دمعك حيث تقول:
كم مِنْ صديق لي أُسَا ... رِقُهُ البكاَء من الحياءِ
فإذا تأمل لامَنِي ... فأقول ما بي من بكاء
لكن ذهبتُ لأرتدي ... فطرفتُ عيني بالرداء
فقال له أبو العتاهية: لا والله يا أبا معاذ ما لذت إلا بمعناك ولا اجتنيت إلا من غرسك حيث تقول:
شكوت إلى الغواني ما ألاقي ... وقلت لهن ما يومي بَعِيد
فقلن بكيتَ قلتُ لهن كلا ... وقد يبكي من الشوق الجَلِيد
ولكني أصابَ سوادَ عيني ... عُوَيْدُ قَذَى له طَرفٌ حديد
فقلن فما لدمعهما سواء ... أكِلْتَا مقلتيك أصاب عود
وقال أبو سلمة الباذغيسي: قلت لأبي العتاهية في أي شعر أنت أشعر: قال قولي:
الناسُ في غَفَلاتِهمْ ... وَرَحا المنية تَطَحنُ
وقال الفضل بن البيع لأبي العتاهية: يا أبا إسحاق ما أحسن بيتين لك وأصدقهما! قال قولك: