للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ثم احتل البريطانيون بغداد، وفرقت صروف الزمن بيننا - بعد ذلك - إذ رحل بي أبي وأسرتنا كلها إلى الحلة، فأقمنا فيها قرابة سنين أربع، فلما عدنا إليها لم أسمع لصاحبي عبد العزيز ذكرا)

- ٢ -

وكتبت هذا الحديث لطرافته عام ١٩٢٩. ثم مضى على ذلك أعوام ثلاثة، فبدا لي يوماً أن أسأل إبراهيم!

(هلا بحثت في هذه المدة الطويلة الماضية عن رفيقك القديم؟ رفيق المدرسة وطريدها عبد العزيز؟)

فأجابني وهو شاعر بما يتضمنه سؤالي من ملامة:

(لقد بحثت عنه في الأيام الأخيرة، فبلغني من أنبائه، أنه كان هاجر قبل مدة غير محدودة بالضبط إلى البصرة، ليتكسب فيها ويعيش عاملا لدى إحدى الشركات الأجنبية، فأنه أضحى في عنفوان شبابه، وبلغ السن الذي يستقل فيها المرء بالكفاح والجهاد في سبيل الحياة، وإن أخاه الجندي المحارب لما يعد، وهلكت أمه ومات أبوه فقيرا معدما، لم يترك له إلا ديونا ودارا، بل كوخا باعه الدائنون؛ ولم يف ثمنه بعشر معشار تلك الديون. ولم يكن متعلما حرفة، ونسي ما تعلمه في المدرسة العثمانية من مبادئ العلوم. وكان يزاول بعض الأعمال الشاقة التافهة التي يزاولها العمال الذين من أدنى الدرجات؛ ولا يأخذون عليها أجرا يستحق ذكرا. هذا كل ما سمعته عنه. ولا يعلم أحد على التحقيق أذهب إلى البصرة أم إلى جهة أخرى)

قلت:

(أو لا ترى من واجب الوفاء إتمام البحث عنه لاستئناف الصلة به والوقوف بجانبه في معترك الحياة، في هذا المجتمع الذي طغت فيه المادية والأنانية والفردية، المجتمع الجائر القاسي الذي لا يرحم الفقير، وأن تنفعه وتعينه على اكتساب الرزق، فأنك موسر بعض اليسر.)

قال:

(وهل تحسب عبد العزيز المشاغب في المدرسة، الذي لم يعرف سوى عزة النفس والأباء

<<  <  ج:
ص:  >  >>