للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنبهم، وتنقط الخيط بأجسام بيضاوية لمعت كحبات الزجاج، وانتظمت على طوله كعقد اللؤلؤ، بَرَق واستقام.

استاء كوخ أول الأمر، فسخط ولعن، وحسب أن غريباً من المكروب دخل إلى مكروبه فأفسده، ولكنه لما أعاد النظرة وجد حُسبانه الأول خاطئاً، فالحبات اللامعة كانت في داخل خيوط المكروب، وهذه الخيوط نفسها هي التي تحولت إلى تلك الحبات. وجفف كوخ قطرته العالقة، وحفظ ما بقي منها على الزجاج شهراً أو بعض شهر. ثم شاء القدر أن يعود فينظر إليها من خلال عدسته، فوجد العقود لا تزال على لمعانها؛ فخطر له أن يجري شيئاً من التجارب عليها. فأتى بقطرة صافية من عين ثور، فأسقطها على تلك المكروبات التي استحالت عقوداً، وأخذ ينظر إليها فإذا بالحبّات تنمو فتصير إلى بشلات، ثم إلى خيوط طويلة مرة أخرى. عام رأس كوخ اختلاطاً واندهاشاً.

قال: (إن هذه الحبات البارقة الغريبة قد عادت فاستحالت بشلات تارة أخرى، فهذه بذور المكروب، صوره الأمتن التي تصمد للحر الشديد والبرد القارص والجاف القاتل. . . . . . لا بد أن المكروب على هذه الصورة يستطيع البقاء طويلاً في الحقول، لا بد أن البشلات تستحيل إلى هذه البذور).

وقام كوخ عندئذ بجملة من التجارب الدقيقة البارعة، أجراها ليمتحن صحة ظنه في هذه البذور، فاستخرج طحالات من فئران مجمورة، استخرجها الآن بحذق ظاهر بعد الخبرة والمران، ورفع هذه الأطحلة، وفيها الموت، على مشارط وبملاقط طهرت في النار، واحتاط ما استطاع الحيطة ألا تمسها مكروبات من التي تسبح على ضلال في الهواء، وحفظها يومياً في درجة حرارة كالتي لجسم الفأر. فلم يكذب ظنه، فخيوط المكروب استحالت إلى حبات من البذور بارقة كالزجاج، وتلا هذه بتجارب عديدة حبسته طويلاً في حجرته الصغيرة القذرة، خرج منها على أن هذه البذور تبقى حية أشهراً كثيرة، وأنها من بعد ذلك تنفقص على التو عن تلك البشلات القاتلة إذا هي وضعت في قطرة من سائل عين ثور، أو إذا هي أُدخلت على فلقة خشب في قاعدة ذنب فأر.

قال كوخ: (إن هذه البزور لا تتكون في حيوان وهو حي أبدا، وإنما تظهر فيه بعد وفاته إذا احتُفِظ بجسمه حاراً).

<<  <  ج:
ص:  >  >>