واستطاع ببيانه الموسيقي، وطلاقته السحرية، أن يدفعه إلى ناحية أخيل، الذي وقف مكانه يقذف الرعب في قلوب الطرواديين وأحلافهم، باحثاً عن غريمه البغيض، هكتور بن بريام، يود لو يخلي بينه وبينه فيبطش به، ويشفي هذا اللظى الذي يتأجج في جوانحه، بما قتله أعز أصدقائه، وأحب الناس إليه.
ووقف إينياس تلقاء أخيل، فتبسم زعيم الميرميدون، ووعظ المحارب أن ينثني فلا يلقي حتفه، وذكره بما حدث بينهما قديماً، حين ساق أخيل قطعان إينياس السائمة في سفح جبل إبدا؛ وما كان من فرار إينياس، هذا الفرار المضحك، الذي أشمت به الأعداء، وأثار عليه سُخرية الأصدقاء والأوداء!
ولكن إينياس، الذي كان ما يزال مأخوذاً بسحر أبوللو وموسيقاه، أبى واستكبر، وهز أعطافه، ثم أخذته العزة بالأثم، وانطلق يقذف في وجه أخيل بهذا التفاخر الذميم الذي لا يجدي في حلبة الحرب نفعاً، ولا يجر على صاحبه مغنماً، يوم لا حكم إلا للمرهف البتار، ولا قول إلا ما يقول الفيلق الجرار.
والتحم المحاربان العظيمان!
وارتطم الصخر بالصخر، وثار النقع في الميدان وأظلم حتى قد تهاوت كواكبه، ونظر الجمعان نظرة القلق الحيران، وأخذ الذهول يضرب إطنابه على الساحة الحمراء، ونظروا فرأوا إينياس يستجمع كل قوته، ويقذف برمحه العظيم فترده درع فلكان، وإن تكن الطعنة قد شقت منها طبقتين، وفترت، فلم تصل إلى فؤاد أخيل.
وهنا!
اشتعلت نيران الدنيا في عيني زعيم الميرميدون، وذاب في أعصابه حميم من الغضب، وأرسل بدوره رمحه الهائل يرن على درع إينياس فلا يصيبه بأذى، ولكنه، لعظم الطعنة، يصرعه ويطرحه فوق أديم الثرى فريسة رخيصة لغوائل الردى، وضربات الرقاق البيض.
وينحني أخيل من عربته الفخمة، فيتناول حجرا عظيماً، قد يتعب عشرة من صناديد الرجال في حمله، ثم يرفع الحجر ليقد به جمجمة إينياس. . .