العظيم ابن عذراء البحر، ثم ثنّى بالكمىّ الكبير ديموليون، شج رأسه فانبثق الدم يتفجر منه، وبرز المخ، وذهبت روحه إلى هيدز! ثم ثَلّث ببطل الأبطال هبوداماس، شكه شكة فتركه يخور كخوار الثور، مسوقاً إلى مذبح الآلهة. . . ثم انقض على بوليدور بن بريام، ملك طروادة، فطعنه في ظهره طعنة صرعته، ونشرت ظلام الموت في عينيه، فهوى إلى الأرض يئن أنيناً مؤلماً، أبكى الجند. . . وأحزن أخيل نفسه. . .
لقد كان بوليدور أحب صغار بريام إليه، وكان يجري فيسابق الريح، وينازل القروم الصيد فيصرعهم عشراتٍ ووحداناً، فيا حزن أبيه عليه بعد اليوم!!
وكأن ظلام الموت الذي خيّم على عيني بوليدور امتد حتى ظلل عيني هكتور! ولم تكن الحياة رخيصة في نظر بطل طروادة مثلها اليوم، فقد فجعه أخيل في بوليدور، فلا بد أن يفجع ذيتيس وبليوس، والدي أخيل، في أخيل نفسه. . .
وألهب جياده فاندفعت بعربته ناحية أخيل. . .
واستبشر زعيم الميرميدون حين رأى هكتور يسرع ناحيته قدماً، وذكر أنه قاتل بتروكلوس فدارت به الأرض، وذكر أن بتروكلوس ينتظر ثأره ميتاً ولا بد أن يعود أخيل إليه به، فتقدم نحو هكتور وقال له:
(هلم يا بن بريام فتعجل قتلتك، وودع الحياة الحلوة التي لن تهنأ بها بعد اليوم!!) وتجهم هكتور، وكلم أخيل فاعترف أنه أقوى منه، وأطول في مواقف الحرب باعاً، ولكنه حذره من الغرور؛ (ومن يدري؟! هل أوحت إليك السماء أنك تقتل هكتور؟ وهل أخذت على المقادير والأقضية عهداً ألا يصرعك هكتور. . .) ثم انقض بن بريام فأرسل حربته الظامئة إلى صدر أخيل، ولولا أن مينرفا كانت إلى جانبه تحرسه، ولولا أنها زحزحته قليلاً فتفادته الطعنة. . . لكان أخيل حديثاً من الأحاديث.
وبهت أخيل، ثم صاح صيحة رجف لها جانب الجبل، وجاوبتها أسوار طروادة، ورددت أصداءها أجواز السماء؛ وانقض على هكتور يود لو يقتلعه من عربته فيخبط به الأرض، وتذهب روحه بعدها إلى الجحيم!. . .
وكان أبوللو إلى جانب هكتور هذه المرة، كما كان إلى جانبه دائماً؛ وراع الإله الأكبر أن يهجم أخيل تلك الهجمة التي يعجز عن مثلها مارس الجبار نفسه. . .