الأمل؛ فقد علم أن ليس في البواخر ما يسافر إلى الجنوب، وإذن لا يستطيع أن يبحر كما فكر وقدر. صفرت يده من المال، وهدده الشرط أن يعاملوه معاملة المتشرد، وأخذت حاله تسوء من يوم ليوم. . . ولكن إله المصادفة كان يرعاه، ففي الوقت الذي بلغت فيه حاله من الحرج وحياته من الضيق مبلغا شديدا، ألفى في طريقه بحاراً يدعى (بكسبي) تقدم إليهصمويل ليكون تلميذاً بحرياً في سفينته دون أن يفكر في المصاعب التي يلقاها الملاح في نهر كالمسيسبي طوله اثنا عشر ألف ميل، وبه من التعاريج ما يجب على راكبه أن يعرفها على التفصيل والجملة. ولكن وساطة بعض الأصدقاء ذللت له العقبات وسهلت عليه القبول. قضى المغامر الشاب عهد التعلم الشاق في ثبات وصبر وشجاعة، حتى غدا قائدا ماهرا للسفينة. . . أصبحت حجرة الدفة مأواه، والنهر المتنوع الحي مدرسته، فكانت هذه الحياة العاملة التي قضاها في النهر بعد تلك المقالات التي نشرها في جريدة أخيه مدرسة ناجحة لهذا الصحافي المنتظر؛ ومن مِلاحته في الماء العذب أخذ صمويل اسمه المستعار (مارك توين)، فقد كان في بعض مواضع النهر كثبان من الرمل، فإذا ما اقتربت السفينة منها سبر العامل المختص غور الماء، وقال وهو يلاحظ المسار: ارقم ثلاثة أرقم اثنين وهلم جرا. . . فأعجبت صمويل كلمة مارك توين فاتخذها اسما له. راغ صمويل من حرب الانفصال طول شبوبها، ثم سافر بعد ذلك مع رفيق له يبحثان عن الذهب، ولكن ما معه من المال نفذ سريعاً، فاضطر إلى العمل أجيرا في منجم من مناجم الذهب بعشرة دولارات أسبوعيا، وهي أجرة ساخرة إذا قيست بالعمل المرهق المنهك الذي كان يؤديه هذا المسكين. وذلك كان رأيه، فانه حين ظفر يوماً بمقابلة المدير طلب منه زيادة الأجر فقال له المدير: إنك لا تساوي شيئاً؛ ومع ذلك فأنا أحب أن أعرف ادعاءك. فقال له صمويل بأدب: إني رجل معقول، لذلك أقنع بأربعمائة ألف دولار في الشهر! فما كان جواب المدير إلا أن طرده لتّوه. ولما لقيه بعد ذلك مصادفة سأله ألم تندم على شيء؟ فقال له: بلى (بعد أن علمت ما هو العمل في المنجم كان ينبغي أن أطلب سبعمائة ألف دولار أجرة في الشهر لا أربعمائة ألف كما طلبت)
بعد هذه التجربة القاسية عزم صمويل أن يبحث عن الذهب على حسابه، فاشترك مع رفيق له، وحصل على امتياز ومضى في العمل. ولكنه تعلم على حسابه أن الثروة لا تواتي