يتحدث عن أخبار رحلاته وعن انفعالات نفسه أمام جبل (يبرد الهواء على قمته بردا يجمد له مخ الإنسان في التو، وأثر ذلك في كل من يصعدونه أن يصبحوا عاجزين عن قول الحقيقة) ثم سكت قليلا وقال في لهجة نادمة ساذجة: (إني أعرف شيئا عنه لأني صعدت فوقه!) فانفجرت قاعة المحاضرة بالضحك الغرب، واعتقد ساعتئذ أنه ربح الصفقة واكتسب السامعين
وكان يلقي ذات مرة محاضرة في (بوستن) فقاطعه أحد السامعين وسأله رأيه في الجنة والنار، فأجابه (لا أريد أن أبدي رأيي فيما تسأل، لأني لي أصدقاء كراما في هذه وفي تلك!)
كان مارك توين ذكي القلب متوقد الذهن، ولكنه لم يكن على شيء من حسن السمت وجمال الشارة، فقد كان هندامه مهملاً ولقاؤه فجاً ومعاملته خشنة؛ على أن السنين صقلت هذا الفلاح فاكتسب سمت النبلاء بفضل امرأته (أوليفيا كليمنس) التي بنى عليها في سنة ١٨٧٠. وكانت هذه السيدة أنيقة مثقفة ذكية، فأثرت تأثيرها الجميل في زوجها، ودامت حياتهما الزوجية خمسا وثلاثين سنة لا يكدر صفاءها حادث، ولا ينغص هناءها خلاف. وقد جاهدت هذه الزوجة الكريمة في إصلاح زوجها، فلمت شعثه وحالت بينه وبين بعض الأمور التي لا تلائم مكانته. كانت ترعاه رعاية الأم لطفلها، فلا تدعه يخرج إلى مكان ما قبل أن تفحص هندامه فحصاً دقيقاً مخافة أن يكون في شكله وزيه ما يخالف العادة
وكانت تنبه إلى كل شيء حتى إلى خلع معطفه في المدخل قبل أن يدخل البهو. فإذا غابت ذات يوم كانت الطامة، فقد اتفق مرة وهما في واشنجطون أن خرجت السيدة كليمنس لبعض شأنها، وكان على مارك توين زيارة لابد أن يؤديها إلى سيدة من سيدات الطبقة العليا. فارتدى ثيابه بنفسه وخرج دون أن يخضع هذه المرة لتفتيش زوجه. أدى الزيارة وعاد إلى مكتبه في زيه الفاخر وطفق يعمل. وكانت زوجته قد عادت في هذهالاثناء فدخلت عليه تلاطفه وتسأله عن الزيارة. ولكنها لم تكد تلقي على السيد نظرة حتى رفعت يدها إلى السماء وصاحت قائلة: يا الله! أفي هذه الهيئة زرت السيدة فلانة؟ فأجابها: وهو قلق يعيد النظر في نفسه خلسة: ماذا؟ ألست في زي أنيق وشارة حسنة؟ فقالت: ولكن أين رباط رقبتك؟ لقد نسيت رباط رقبتك! يا للفضيحة الفظيعة يا عزيزي!! فأجابها بلهجة