ذكره في الخافقين ويقترن اسمه بما لم يقترن به اسم أحد في العالمين. فيمم شطر أخيل والكبرياء تنفح أوداجه، والغرور يشيع في أعطافه، ثم هز رمحه هزة المتحدي الخصيم. . .
وزجره أخيل فلم يزدجر، فانقض عليه انقضاض الحتف، وأخذه أخذ المنية، لا تجدي فيها إذا أنشبت أظافرها النمائم، ولا تدفعها الرُّقي، ولا تُفلت من أقصدته ولو كان في برج مشيد!
وأرسل أخيل رمحه كالصاعقة، لو لقي الصخر لقده، أو الجبل لنفذ فيه، ولكن سترابيوس كان أرشق من أن يلقي الطعنة فانزلق انزلاقه خفيفةً أذهبت الرمح في الهواء، ثم هوى إلى الأرض فغاص فيها؛ ومن ثمة راح يداعب أخيل حتى أحنقه وحتى بلغ الغيظ منه، فامتشق بن بليوس سيفه وصرخ صرخة رجفت لها السماء، وانصدع من هولها جانب الجبل، وهجم على سترابيوس هجمة رابيةً فلم يفلته، بل أرسل السيف في بطنه فخرج سنانه من ظهره، وبرزت الأمعاء فاجتمعت حولها أسماك الماء، تنوشها وتتغذى بها.
وريع سكمندر، رب النهر العظيم، إذ نظر فرأى ابن ضيفه المقدام، يلفظ أنفاسه، ويُساقط نفَسه، فدارت الأرض به، وضاقت عليه بما رحبت، وتجهم من تَوّه لأخيل، وود لو انشق فابتلع ابن بليوس آخر الدهر، أو لو يأخذ هو سيفاً فيقد به أضلاعه، ويطيح به رأسه، ويريح العالم من بأسه. لكنه آثر، كأله له وقاره، أن ينذر أخيل ويأخذه بالحيلة، فخاطبه من القرار، قال:(أخيل! يا ابن بليوس العظيم! أنا لا يهمني أن تصطلم الطرواديين جميعاً، ما دام زيوس قد سلّطك عليهم ورماهم بك. . . أنا لا يهمني من ذلك شيء. . . ولكن الذي يحزنني ويضيق به صدري هذه الجثث الكثيرة التي يعج بها عبابي، وينتشر منها الخبث في أرجائي. . . لقد أنتنت يا أخيل، وخالطت عذوبة مائي، ولم يعد لي بها طاقة، ولا عليها جلد. . . وهي إلى ذلك كادت تقف تياري، وتشل حركتي. . . فهلم فارفعها عني، وقف التصريع والتقتيل حتى تطهر مجراي من أدرانها وحتى ألفظ أنا إلى البحر ديدانها. . .)
وتبسم أخيل قائلا: (أما أن أقف هذه الحرب فلا سبيل إلى ذلك حتى آخذ بثأر بتروكلوس، وحتى أدك طروادة على رأس هكتور، فاما أن ألقاه فأقتله وإما إن يلقاني فيقتلني؛ وأما أن أطهر مجراك من هذه الجثث الطافية فوقه فليس لي الآن بذلك يدان. . . أو تضع هذه