للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تعجل فِيَّ وجوب الحدود ... وحدِّيَ قبل وجوب السجود

يريد أنه صغير لم تجب عليه الصلاة فكيف يجب عليه الحد؟

وقيل عدوت على العالميـ ... ن بين ولادي وبين القعود

يريد أنهم اتهموه بالعدوان على العالمين في حال الطفولة قبل أن يستطيع القعود. وليلاحظ القارئ نوع التهمة فهي منحصرة في الخروج، ولو كانت ادعاء النبوة لما قالت عدوت على العالمين:

فماَلك تَقبلُ زُ ورَ الكلام ... وقدرُ الشهادة قدرُ الشهود

يريد أن الشهود من سفلة الناس فشهادتهم مردودة لعدم تورعهم عن الكذب:

فلا تسمعنَّ من الكاذبين ... ولا تعبأنَّ بمحكِ اليهود

وكن فارقا بين دعوى أردت ... ودعوى فعلتُ بشأو بعيد

وفي جود كفك ما جدت لي ... بنفسي ولو كنت أشقي ثمود

فهذا كلامه في حال صباه قبل أن يناصبه العداء أحد من المنافسين له والحانقين عليه، لم يتضمن شيئا من الإشارة إلى دعوى النبوءة، ولا يمكن ان تفهم منه بحال. فلو كان قال هذه القصيدة في إبان شهرته وانتشار ذكره لقلنا إنه جمجمفيها ودارى عن نفسه، ولكنه كما علمت قالها في صباه، وهي من أوائل شعره بلا نزاع عليها وصحة الاستشهاد بها. بل نحن نسلم جدلا انه أدعى النبوة وبسببها سجن، فكيف يصح قوله حينئذ:

بين دعوى أردت ... ودعوى فعلت بشأو بعيد؟

وهل من يريد إدعاء النبوة متنبئ بالفعل؟ وهل هذه الإرادة مما يمكن الاطلاع عليه قبل إظهارها حتى تأتي الوشاية به؟ وذلك بخلاف الخروج فان بوادره تظهر للناس قبل الإقدام عليه، لأنه لا بد له من دعاوة كبيرة، إذ أن الفرد لا يمكن أن يرفع وحده علم الثورة في وجه الدولة! ومع تأكيدنا أن الذين وشوا به لم يتهموه إلا بالخروج، لا نستبعد أنهم الذين لمزوه بذلك اللقب المشنوء لما رأوا تعاليه عليهم وتقريعه لهم مع تشبيههم باليهود وتشبيه نفسه بالأنبياء كما في قوله:

ما مقامي بأرض نخلةَ إلا ... كمقام المسيح بن اليهود

وقوله:

<<  <  ج:
ص:  >  >>