للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بيننا كبيراً في مقداره، كثيراً في اعتباره، وليكن شعوره محترماً ككل شعور.

فاستاء قلب الجبار وقال: عجباً!! كيف يساغ أن نعامل الضعيف كما نعامل القوى؟؟ وكيف نجل ذاك كما نجل هذا؟ وكيف نعتبر ذاك في ضعفه كما نعتبر هذا في قوته؟ إلا يكون في ذلك خلط، وتزييف في حقائق، وغبن للكرامة، وتشويه للحياة؟. . . . . إنها لمساواة فاشلة باطلة، كالمساواة بين الخادم وسيده، أو بين الطفل وأبيه. فلا العقل يتصورها، ولا الطبيعة تقيمها، ولا ظروف المعايش تبيحها.

قال قلب الشاب الساذج المغتر: أجل. . . . أجل. . . هذا هو الصواب؛ فالقوي لا يمكن أن يقبل الضعيف عديلاً له أو شبيهاً به، لأن القوي لا يستطيع أن يهبط حتى عيشه الضعيف، والضعيف لا يستطيع أن يعلو حتى يعيش عيشه القوي، فليكن القوي فوق الضعيف، ولتكن القوة موضع الاحترام.

قلت أنا أخاطب قلب الجبار: أنت واهم أيها القلب المتجبر تحسب أن الصدارة للقوي يعمل ما يشاء فيرتاح الجميع لما يعمل؛ ثم يأبى عليك جبروتك أن تساوي بمن يقل عنك قوة ومكانة؛ ولكن هون عليك فانك لم تدع إلى ما فيه غبن لكرامتك أو حطم لكبريائك، وإنما دعيت إلى ما تعد كريماً لو فعلته.

دعيت إلى تبادل المحبة مع القوي والضعيف على السواء؛ فبقدر قوتك يحسب على الضعيف كرمك، وبقدر كرمك يعتبر تواضعك، وبقدر تواضعك يكون سموك.

نحن نعرف أنك قوي، ونعرف أنك لست وحدك القوي، فأكثرنا ذو قوة. . . وإن لم تكن قوته في بنيته ففي صلابة إيمانه، أو في طيبة عنصره، أو في طهارة نزوعه، أو في عزته وإبائه؛ وقد ينقصك شئ مما في غيرك من هذا كما ينقص غيرك شئ مما فيك من القوة. فلنقدر كل هذه الصفات، ولتعلم أن القوة ما هي إلا واحدة منها.

قال قلب الشاعر: ليس ذنب الضعيف أنه ضعيف، لأنه خلق كذلك فلم يدخل شيئاً جديداً على خلقته؛ والقوي يكون مذنباً إذا اختال بقوته، لأنه يدخل باختياله عيباً كبيراً على خلقته. . .

وكنت أظن أن عمل المؤتمر قد انتهى إلى هذا، ولكن وقف قلب الشاعر مرة أخرى يستكمل رسالته ويقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>