للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انه باستهوائه إياه لابد واصل إلى استكمال تثقيفه، وإلى إدراك مكنونات الفن أسراره ومنعطفاته. وانكب على دراسته انكبابا. والكتاب يتحدث عن فن التصوير والنحت أكثر مما يتحدث عن غيرهما، فهو ذاهب إذن لزيارة متحف اللوفر في زيارات دورية، وقد اصبح له هذا المتحف بمثابة الجامعة للطالب. وهو مصطحب هذا الكتاب كصديق مرشد. وهو متثبت من مطابقة التدليل البديع الذي يجري به قلم متين عن كيفية نشوء فن ما، في بيئة ما، على تلك المجموعة التي لا تقًّدر من كنوز الصور في متحف اللوفر. وهو قد قرأ الكتاب واستوعبه استيعابا وهضمه هضما، ثم شاهد كيف استخلص تين حياة هذه القطع الفنية من جنس الفنان والوسط الذي أحاط به والوقت الذي ظهرت فيه.

ولكن أنّى له ان يفهم فن التصوير فهما واعيا، وثقافتنا المصرية في هذا الشأن معروفة! ان كتاب تين ليس الا خلاصة محاضرات كان يلقيها على طلبة مدرسة الفنون الجميلة في باريس فهو يتقدم به إلى أناس على قدر متقدم من الثقافة الفنية، وقد شعر توفيق بعد قراءته للكتاب بالنور يبهره، فأدرك أن هناك جمالا لم يكن يحس بوجوده قبل ذلك وعالما آخر تراءى له ولكن في إطار من السحب والغيوم، وأحس في الوقت نفسه انه لم يدرك كنه هذا الجمال بعد ولم يدخل هذا العالم الجديد.

وكان أن عرضت له فرصة يتعجل بها سد هذا النقص الذي كان يقض مضجعه، فلم يتردد في التعلق بأهدابها، فهو قد تعرف في ذات يوم إلى شاعر فرنسي أخنى عليه الفن والأدب، ولعله البقية الباقية من جماعة من مذاهب الشعر، فرأى فيه توفيق رجلا مثقفا ثقافة واسعة، ذا مكانة في لأدب والشعر وإن جار الزمان عليه وعلى مذهبه. فجعل يمد هذا الشاعر البائس بإعانة مالية نظير استعانته به في فهم أسرار اللوفر ومتحف رودان والمكتبة الأهلية. ثم انكب على القراءة انكبابا، ولكن الإنتاج الأوروبي هائل فيه الغث وفيه السمين، وإلى جانب الإنتاج الحديث يوجد الكلاسيك وهو لا يقل هولاً، والوقت من ذهب، لابد أذن من ان يختار ما يقرأه من بين هذا كله، وهو شاعر بالمراحل الواسعة التي لابد له من قطعها ليستعيض عما ضيعه من أيام شبابه في قراءات كان يتخبط فيها دون هدى او مرشد، وهو يستعين أذن بصاحبه الفرنسي في هذا الاختيار، وهو يستمع إليه في دروس خاصة منظمة، جعل صاحبه يعايرها له كما يعاير الدواء للمريض، وإذا به الآن قوي البنية

<<  <  ج:
ص:  >  >>