تنتظر قضاء الله فيها، وقد تسمع المؤذن في الفجر يشق الفضاء بكلمة الحق:(الله أكبر) في سكون الليل وهدوئه، فتضرع إليه أن يحكم فيها بما يراه خيراً لها، ثم تدعو الذي لها كتب لها قصر العمر أن يكتب لي طول العمر جزاء ما أسديت إليها في أمراضها المتطاولة من برٍ ومجهود، فآسى لهذا القول، وأذكر الأمل في الشفاء، فتستبعد تحقيق ما أملت وتقول: أيقدر لي الشفاء فأقضي عمراً جديداً في شكر معروفك؟!
ثم اشتدت بها العلة، وبرحت بها الأوصاب. ومن عجائب القدر أن تكلفني وزارة المعارف مغادرة المدينة لأعمل في الامتحانات في مدينة أخرى، وليس من شرعة وزارة المعارف أن ترحم مثل الظروف المحيطة بي، أو تقبل عذري إلا إذا كنت أنا مدنفا عليلا، ويشهد جماعة من الأطباء جهد أيمانهم إنيل لا أطيق السفر، ولا أقوى على مكابدة الأعمال
سافرت متعب الفكر، مضطرب النفس، وبين جنبي من الهم ما لو كان بالجبال لاندكت، وبالبحار ما سمعت لرنات أمواجها زئيراً، ولا لشموخ أنفها عزّة وزفيراً
وقبل سفري تقدمت إلى أنجالي أن يراسلوني يوميا بحالتها، وأسررت إلى بعض أصدقائي إن حل المقدور أن يبادر باستقدامي برقياً، ومن عجب أن تترى الرسائل كل يوم بأن معجزة عيسى الباهرة ظهرت في زوجي، وأن المرض كادت تزول آثاره! فأحدث ذلك في نفسي حالة بين الشك واليقين. أذكر البرء فأقول:(آمنت بالله)، (يحي العظام وهي رميم)، هاهو ذا مجهودي الطويل تتوّج بالنجاح، وتا لله إن فرحي برؤيتها سليمة لينسيني كل عذاب تحملته صابراً محتسباً، ثم تخم علي سحب مظلمة تقترب من نفسي شيئاً فشيئاً فأنفجر باكياً في حجرتي بالفندق بعد أن أحكم رتاج الباب، وأشتفي ببلسم المحزون؛ هي تلك القطرات
يا لله للإنسان لو لم تكن دموع عيني أتراه ينشق فتطير أجزاء قلبه ورأسه فلذة في المشرق وفلذة في المغرب ثم يتناثر جسمه إرباً إرباً. ثم تعود إلي قوة نفسي فأحس حرارة اليقين في صدري، ويشع أمام عيني ضياء الأمل فأنتعش وأبني قصور الآمال من جديد بعد أن ضعضعتني الأسقام، وزعزعتني الوساوس والأوهام. وعدت من السفر ودخلت عليها مسلما لأبدل بالشك اليقين، فرأيتها جالسة في سريرها وقد امحت منها معالم الحياة إلا عيونا براقة وروحاً رضية تتحدث حديث الأحياء وجسمها في عالم الأموات، فعرفت زيف أحلامي التي