وقد نشأت للحرب مُزْنة قَسْطَل ... لها مستَهلٌ بالمنيةِ راشح
فلا رأى إلاُ أن تكون بنجوةٍ ... فأنك مقصود المكانة واضح
فقلت تعلّم إنما هي خُطّة ... يطول بها مجدٌ وتخشى فضائح
فقد يهلك الرِّعديد في عقر داره ... وينجو من الحتف الكَمِيُّ المشابحُ
الخ. . . . . .
وقد كان ينبغي أن يتميز شعره في صفة الحرب عن شعر المتقدمين، ولا يحاكيهم في كثير ولا قليل من معانيهم فيها، وذلك لما باشر من وقائعها، وخاض من غمراتها، وتعرض لمخاوفها، ولما امتلأت به نفسه من حبها، والتمدح بالإسراع إليها، ولِما تميزت به الحروب في عصره عن الحروب في العصور الماضية، واختلفتْ في صُورَها وآلاتها وترتيبها عن الحروب أيام تقسيم الغزاة إلى شاتية وصائفة
ومما يعاب على البارودي ويؤاخذ به قلة شيوع الشعور الوطني والإحساس المصري في شعره، وخلو قصائده إلا في القليل النادر من العاطفة القومية، وإنما استثنيت القليل النادر لما له في ذلك من القصائد اليسيرة التي قالها وهو في منفاه بسرنديب كقوله من قصيدة:
هل من طبيب لداء الحب أو راقي ... يشفي عليلا أخا حزن وإيراق
قد كان أبقى الهوى من مهجتي رمقا ... حتى جرى البين فاستولى على الباقي
وفيها يقول:
يا روضة النيل لا مسّتكِ بائقةٌ ... ولا عدتك سماءٌ ذات إغداق
ولا برحتِ من الأوراق في حلل ... من سندس عبقريّ الوشى برّاق
يا حبّذا نَسَمٌ من جوِّها عَبِقٌ ... يسري على جدول بالماء دفّاق
مَرعَى جيادي ومأوى جيرتي وحِمَى ... قومي ومنبتُ آدابي وأعراقي
أصُبو إليها على بُعد ويعجبني ... أني أعيش بها في ثوب إملاق
وكيف أنسى دياراً قد تركتُ بها ... أهلا كراماً لهم ودّي وإشفاقي
فيا بريد الصَّبا بلغ ذوي رحمي ... أني مقيم على عهدي وميثاقي
وأنت يا طائرا يبكي على فنن ... نفسي فداؤك من ساقٍ على ساق
أذكرتَني ما مضى والشمل مجتمع ... بمصر والحربُ لم تنهض على ساق