الخ. . . . . . .
ولعل السر في عدم شيوع ذلك الشعور في شعره وقلة ظهور هذه العاطفة في قصائده يرجع إلى أنه سليل عائلة من الأتراك الذين يرون أن سيادتهم في مصر لا تتم إلا بالترفع عن مخالطة أهلها، وعدم مشاركتهم فيما يشعرون به من آلام وآمال، ويرون أن الاتصال بطبقات الشعب ثلم في غزتهم، وانتقاص من سيادتهم
وإليك طرفاً من قصيدته التي استقبل بها مصر حين عاد من منفاه، قال:
أبابلُ رأىَ العين أم هذه مصر ... فأني أرى فيها عيوناً هي السحر
نواعِسُ أيقظن الهوى بلواحظ ... تدين لها بالفتكة البيض والسمر
فإن يك موسى أبطل السحر مرة ... فذلك عصر المعجزات وذا عصر
بنفسي وإن عزت عليّ ربيبةٌ ... من العين في أجفان مقلتها فترُ
الخ. . . . . . . . . .
فأنت ترى أنه لم يزد في استقبال وطنه على ذكر ما فيه من الجمال النسوي الشائع بين جميع الأمم، والمشترك بين مختلف الشعوب، ولم يقل في قدومه إلى مصر إلا ما يقوله قادم على أي بلد من البلاد المشهورة بهذا النوع من الجمال، وإن لم يكن وطنه. ثم انظر هذا الإحساس الوطني المتدفق، والعاطفة المصرية الفياضة في قصيدة شوقي التي استقبل بها مصر حين عاد من منفاه بالأندلس، إذ يقول:
ويا وطني لقيتك بعد يأس ... كأني قد لقيتُ بك الشبابا
وكلُّ مسافر سيؤوب يوماً ... إذا رزُق السلامةَ والآيابا
ولو أني دُعيتُ لكنت ديني ... عليه أقابل الختم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي ... إذا فُهْتُ الشهادة والمتابا
هدانا ضوءُ ثغرك من ثلاثٍ ... كما تهدي المنوَّرةُ الركابا
وقد غشُّى المنارُ البحر نورا ... كنار الطور جلّلت الشعابا
وقيل: الثغر، فاتأدت، فأرست ... فكانت من ثراك الطُّهر قابا
وقوله وهو في منفاه أيضا:
وطني لو شغلت بالخلُد عنه ... نازعتني إليه في الخلُدُ نفسي