الأقتصادية، قد أشتركت في وضع هذا المشروع الشائن الذي يقضي فجأة على آمال أمة مستقلة مازالت تناضل عن حرياتها نضالاً يثير الإعجاب والإكبار؛ على أن الصدى العنيف الذي أحدثه المشروع في العالم كله، وفي الرأي العام البريطاني بنوع خاص، كان كافياً لأن يحدث أثره بسرعة في استنكار هذه السياسة الاستعمارية الصارخة، واستنكار المشروع برمته، وكان من جراء ذلك أن استقال السير صمويل هور وزير الخارجية البريطانية الذي أشترك في وضع المشروع، وكان لاستقالته أعظم وقع كما شهدنا، واضطرت الحكومة البريطانية أن تتراجع بسرعة، وأن تعلن أنها لا تؤيد المشروع وأنها تعتبره قد مات؛ هذا بينما كان المشروع مطروحاً أمام عصبة الأمم، يلقي الضربة الأخيرة على يد مجلس العصبة، ويرجئ النظر فيه إلى أجل غير مسمى.
وهكذا مات مشروع تمزيق الحبشة في أيام قلائل تحت ضغط الرأي العالمي واستنكاره، ولم يُسمح لإيطاليا أن تجني ثمرة اعتدائها الشائن وأن تحقق بالدجل السياسي ما لم تستطع أن تحققه على يد جنودها في ميدان القتال. أما الحبشة فقد رفضت مشروع تمزيقها لأول وهلة، ورفضته بمنتهى الأباء والقوة، بل واستطاعت أن تقرن رفضها الأبي بانتصارات محلية أحرزتها الجيوش الحبشية في مختلف الميادين في نفس الوقت الذي طرح فيه المشروع أمام عصبة الأمم. ومع أن العوامل الحقيقية التي أملت بوضوح هذا المشروع، وحملت السياسة الإنكليزية على إقراره، في الوقت الذي ذهبت فيه إلى هذا المدى البعيد في مخاصمة إيطاليا ومقاومتها، لم تتضح إلى الآن وضوحاً كافياً، فأنه يمكن فهمها على ضوء بعض الحوادث والظروف الأخيرة، وأخصها تفاقم الخطر الياباني في الشرق الأقصى، وانتعاش الحركة الوطنية في مصر، وما يذاع من وجود تذمر في الأسطول البريطاني، وما يبدو من تحرك ألمانيا وتربصها؛ هذا إلى بعض الاعتبارات الأوربية والاستعمارية العامة، وهو أنه ليس من حسن السياسة أن تشجع أمة إفريقية سوداء على مقاومة أمة أوربية كبرى، وأن تترك إيطاليا لتطوح على هذه الصورة بشطر كبير من قواها الحيوية في شرق إفريقية، في حين أن هذه القوى ذاتها ضرورية لحفظ التوازن الأوربي ومقاومة مطامع ألمانيا في النمسا؛ ومن جهة أخرى فأن هذه الصعاب والمتاعب الفادحة التي تتخبط فيها إيطاليا قد تدفع بها إلى غمار اليأس فيسقط النظام الفاشستي، وسقوطه في هذا المأزق