للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أفلتت.

وهّم كوخ وجَفْكِي بالرجوع إلى برلين، وبينما هما يتأهبان للرحيل جاءهم رسول ينتفض ارتعاداً، فقال لهم: إن الدكتور تويّيه الباحث الفرنسي مات، ومات بالكوليرا.

كره بستور كوخ كرهاً شديداً، وأخلص له بالكره بقدر ما يكره الفرنسي الصميم؛ وكره كوخ بستور كرهاً شديداً، وأخلص له الكره بقدر ما يكره الألماني الصميم. ومع كل فما علم الألمانيان بالخبر خفَّا إلى رُو يقدمان عزاءهما ويبذلان عونهما. وصحب كوخُ رفات توّييه إلى مقره الأخير، وقد حملوه في صندوق بسيط عار من الزخرف. ولدى قبره وضع كوخ على تابوته الإكليل وقال (إنها غاية في البساطة، إلا أنها من الغار. العرف يجري بأن الغار هدية الأبطال). مات هذا الشاب الجسور، أماتته تلك المكروبات الضعيفة التي جاء يتقفاها أقتناصاً، فأقتنصته في الطِّراد من حيث لا يدري.

وانتهت جنازة هذه الضحية الأولى، فعاد كوخ إلى برلين ومعه صناديق بها عينّات كان صبغها بصبغات قوية فتراءت فيها مكروبة على صورة الواو. فكتب تقريره إلى وزير الدولة، وقال فيه: (لقد وجدت جرثومة واحدة في كل حالات الكوليرا التي بحثتها. . . . ولكني لم أثبت أنها سبب هذا الداء، فابعث بي إلى الهند حيث توجد الكوليرا دائماً. . . . ففي الذي وجدته ما يكفي لتبرير إرسالي إليها).

وغادر كوخ برلين قاصداً كلكتّا تصحبه ذكرى (توّييه) وذكرى فاجعته التي كانت. وصحبه خمسون فأراً قام عليها وصياً راعياً. وزاد دوار البحر في عنته. فكثيراً ما تصورت ما خاله ركاب السفينة من أمره، لعلهم ظنوه مبشراً حمله تحمسه على ما هو فيه؛ أو لعلهم حسبوه أستاذاً همه التنقيب عن تراث الهند القديم ووجد كوخ تلك المكروبة الواوية في كل جثة في جثة من الجثث الأربعين التي فحصها. ووجدها كذلك في مَعي المرضى عند أول إصابتهم بالكوليرا. ولم يجد أثراً لها في مئات الهنود الأصحاء الذين أمتحنهم. ولم يجدها في أي حيوان سليم، من الفأر الصغير إلى الفيل العظيم.

وسرعان ما تعلّم كوخ تربية هذه البشلات الواوية نقيةً على فالوذج حساء لحم الأبقار، وما استطاع القبض عليها في أنابيب اختباره حتى درس عادات هذه المخلوقات النباتية الصغيرة الشريرة فعرف أنها تموت سريعاً إذا هي جففت ولو تجفيفاً طفيفاً، وعرف كيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>