تتسلل إلى الرجال الأصحاء من ثياب الموتى وأفرشتهم بعد أن تتلوّث بأقذارهم؛ واستخرج هذه الواوات عينها من صهاريج الماء الآسن التي أجتمع الهندوس حولها في أكواخ حقيرة، بل زرائب بائسة، تخرج منها توجعات المرضى يستعْدون على الموت وليس من يُعدى ولا من يعين.
وركب كوخ البحر عائداً إلى بلده، فأستقبله الألمان استقبالهم قائداً عاد منتصراً، وأجتمع له العلماء الأطباء فقال فيهم:(إن الكوليرا لا تنشأ من ذات نفسها، فلا بد للمكلور من ابتلاع بَشِلَّتها الواوية، وهذه البشلة لا يمكن أن تنشأ إلا من بشلة مثلها، وهي لا تنشأ من شيء آخر غير هذه البشلة، وهي لا تنشأ من العدم، وهي لا تنمو وتتكاثر إلا في أمعاء الإنسان، وإلا في الماء إذا زاد قذره كماء الهند).
ألا حمدا ًلكوخ ولأبحاث كوخ وشجاعته، فهي التي أمنت أوربا وأمريكا من غارات هذه الوافدة الشرقية، ولم يبق لتأمين العالم منها إلا تمدين الهند ونشر الأنظمة الصحّية فيها.
- ٨ -
من يد الإمبراطور نفسه تسلم كوخ وسام التاج بنجمته؛ ومع هذا ظلت قبعته الريفية مطمئنة على رأسه الأكيس؛ وكلما أعجب به المعجبون وأثنى عليه المادحون قال:(أنا إنما أفرغت كل وسعي، فأن كنت نجحت فوق نجاح غيري، فما هذا إلا لأني وقعت اتفاقاً من مجاهل العلوم الطبية على أصقاع بكرٍ بها التِبْر كثير مركوم. فليس لي في الذي وجدت فضل كبير)
كان البحّاث الذين اعتقدوا أن المكروبات أسباب الأدواء وأعداء الإنسان رجالاً شجعاناً، ولكن هذه الشجاعة لم تفت خصومهم من الأطباء الأقدمين وعلماء الصحة المحافظين الذين هزءوا بالأحاديث الجديدة عن المكروبات المزعومة وظنوها ضلالة وخرفاً، ومن هؤلاء الخوارج الأستاذ الشيخ بيتنكوفر أستاذ ميونيخ وزعيم الشكاكين الذين لم تقنعهم تجارب كوخ على بساطتها ووضوحها. فلما عاد كوخ من الهند ومعه هذه المكروبات الواوية التي آمن بأنها أسباب الكوليرا، كتب له بيتنكوفر ما معناه:(أرسل إلي شيئاً من جراثيم الكوليرا المزعومة، وأنا أثبت لك أن لا ضرر فيها)
وبعث كوخ إليه بأنبوبة تعج بهذه الجراثيم القتالة، فما كان من صاحبنا إلا أن رفعها إلى