شاءت وإلى حيث ينزو برأسها أن تذهب، ولا تبالي ما يصيبه من الإرهاق والجهد والإعياء والملل، ولا يخطر لها أن كده على هذا النحو ولجاجتها في ذلك خليقان أن يخمدا وقدت الحب.
والدلال، ماذا نقول فيه؟ إنه مصيبة كبيرة وبلاء عظيم، ولكن المرأة تحسبه وقود الحب، فلا سبيل إلى شيء إلا بعذاب غليظ من هذا الدلال الثقيل، إذ كانت المرأة تسيء الظن بقيمة الاستجابة السريعة، ولا تؤمن إلا بقول القائل - قاتله الله كائناً من كان، فقد نسيت من هو -: (وَحَبُّ شيء إلى الإنسان ما منعا).
قلت مرة لامرأة وقعت بينها وبين حبيبها نبوة من جراء دلالها وإبائها عليه قبلة اشتهاها:(يا ستي أنت تحبينه، وهو يحبك - أليس كذلك؟).
فألقت إلي نظرة خبيثة، فهززت رأسي وقلت:(نعم أو لا؟ أيهما؟ قولي بلسانك)
فقالت:(لكأني في مدرسة!)
قلت:(ومن الذي غشك وأوهمك أنك استغنيت عنها؟؟ إنك لم تشبي عن الطوق إلى الآن، ومازلت إلى هذه الساعة بنتاً صغيرة جاهلة، أجدر بك أن تخرجي إلى الشارع، فتلعبي فيه بالحبل. . .).
فلم يسؤها مني هذا الطعن لأنها كانت تعرف عطفي عليها، وحبي لخيرها، فأعدت عليها السؤال، فقالت:(نعم) فقلت: (أشهد ألا إله إلا الله! وقد اشتهى منك قبلة، فهل كنت تأنسين من نفسك استعداد للإجابة ورغبة فيها؟) فضحكت وقالت: (هذا أشبه بالتحقيق. . . شيء جميل والله!)
قلت:(هو تحقيق. . . فأجيبي)
فصاحت:(ولماذا لم يقبلني؟ ماذا منعه؟)
فصحت بدوري:(إيه؟ ماذا تقولين؟)
قالت:(أقول إن روحي كانت على شفتي. . . وكنت أتلهف على قبلته، ولكنه لم يفعل وذهب يتكلم. . . سخيف!)
قلت:(ليس هو وحده السخيف)
فرفعت وجهها إلي، وزوت ما بين عينيها، فقلت: (أنا أيضا مثله. . . فقد كنت أحسبه