لهم ولا قوة على الزمان الغادر، والحظ العاثر، والصبر الجميل. . .؟. . .
هل أكون قاسياً يا بني إذا رجوتك أن تذكر ذلك أو بعض ذلك، حين تعود إلى ديارك وتلقى أبويك الفرحين بك؟. . .
أخيل! لم أسع إليك يا بني إلا بأمر الآلهة، ووحي سيد الأولمب. . . أرجوك في هكتور. . .!. . .
وأحر قلباه يا هكتور. . .! وا أسفاه عليك يا ولدي!. . .
صدرت إليك يا أخيل عن أمر السماء أرجوك في هكتور أن تسلمه إلى حتى نؤدي له فرائض الآلهة، وطقوس الموت، وما أحسبك إلا ملبياً ندائي الحزين، حتى تتيح للآلاف المؤلفة من جنوده وذويه وزوجه وابنه أن يبكوا جميعا عليه، وأن يشيعوه إلى الدار الآخرة بما رضيت أن تؤديه لبعض أصحابك، حتى تقر روحه، ويؤذن لها فتلج إلى هيدز. . .
أخيل. . . لب ندائي أيها الزعيم الباسل. . . لب نداء هذا الشيخ الضعيف،. . . وارحم فيه هذا الذي حمله إليك. . . وأسعده بتقبل هذه الهدية التي أمرت بها السماء. . . وإن تكن يا أشجع المحاربين في غَنَاء عنها، ولا حاجة بك إليها. . .)
وأحس أخيل كأنما تخاطبه السماء كلها بلسان هذا الشيخ المتهدم، وكأنما الآلهة جميعا تنطلق من فمه لتكون بياناً ورحمة في قلبه، فأنهضه من بين يديه، وأجلسه إلى جانبه فوق أريكته ثم أخذا معاً في بكاء حار طويل.
وتقبل أخيل هدايا الملك، وأشار إلى اوتوميدون وزميله فأخذاها إلى الأسطول، ثم أمر الخادمات فغسلن هكتور بالماء الساخن المعطر بدهن الورد، ولففنه في مدارج بأكملها من كتان مصر، وتقدم هو فوضعه على وسادة الموت، وأشار إلى جنوده فرفعوه إلى إرانه، ثم أخذ يهون على بريام ويواسيه، ودعاه إلى تناول العشاء معه، فلبى الشيخ وهو يعول ويبكي. . . بكاء يفتت الأكباد ويذيب نياط القلوب. . .
وكان الليل قد انتصف أكاد، وكان بريام الملك قد لبث الليالي الطوال يتفجع على ولده، ولا يذوق جفنه طعم الكرى فأحس بعد العشاء بإعياء وجهد، وميل شديد إلى النوم، فصفت له ولرجاله وسائد فاخرة، عليها طنافس وملاءات من الهند، واستأذن أخيل واستلقى على متكئه. . . وقبل أن يسلم عينه للكرى، سأله أخيل أن تكون هدنة بين الجيشين المتحاربين