للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علمت بزواج صاحبها قذفت به من طريق آمالها إلى الطريق الذي جاء منه، وأنزلته من درجة أنه كل الناس إلى منزلة أنه ككل الناس، ونبهت حزمها وعزيمتها وكبرياءها فرأته بعد ذلك أهون على نفسها من أن يكون سبباً لشقاء أو حسرة أو هم، وابتعدت بفضائلها عن طريق الحب الذي تعرف أنه لا يستقيم إلا لزوجة وزوجها، فإذا مشت فيه امرأة إلى غير زواج، انحرف بها من هنا، واعوج لها من هنا، فلم ينته بها في الغاية إلا أن تعود إلى نفسها وعليها غباره، وما غبار هذا الطريق إلا سواد وجه المرأة. . . وقد جهد الرجل بصاحبته أن تتخذه صديقاً، فأبت أن تتقبل منه برهان خيبتها. . . وأظهرت له جفوة فيها احتقار، وأعلمته أن نكث العهد لا يخرج منه عهده، وأن الصداقة إذا بدأت من آخر الحب تغير أسمها وروحها ومعناها، فإما أن تكون حينئذ أسقط ما في الحب، أو أكذب ما في الصداقة

ثم قالت الأديبة: وهي كانت تحبه، بل كانت مستهامة به، غير أنها كانت أيضاً طاهرة القلب، لا تريد في الحبيب رجلاً هو رجل الحيلة عليها فتخدع به، ولا رجل العار فتسب به، وفي طهارة المرأة جزاء نفسها من قوة الثقة والاطمئنان وحسن التمكن؛ وهذا القلب الطاهر إذا فقد الحب لم يفقد الطمأنينة، كالتاجر الحاذق إن خسر الربح لم يفلس، لأن مهارته من بعض خصائصها القدرة على الاحتمال والصبر للمجاهدة.

قالت: فعلى صاحبة المشكلة التي عرفت كيف تحب وتجل أن تعرف الآن كيف تحتقر وتزدري.

وللأديبة ف. ع وأي جزل مسدد؛ قالت: إنها هي قد كانت يوما بالموضع الذي فيه صاحبة المشكلة، فلما وقعت الواقعة أنفت أن تكون لصة قلوب، وقالت في نفسها: إذا لم يقدر لي، فإن الله هو الذي أراد، وإني أستحي من الله أن أحاربه في هذه الزوجة المسكينة، ولئن كنت قادرة على الفوز إن انتصاري عليها عند حبيبي هو انتصارها على عند ربي، فلأخسر هذا الحب لأربح الله برأس مال عزيز خسرته من أجله، ولأبقى على أخلاق الرجل ليبقى رجلاً لامرأته فما يسرني أن أنال الدنيا كلها وأهدم بيتاً على قلب، ولا معنى لحب سيكون فيه اللؤم بل سيكون ألأم اللؤم.

قالت: وعلمت أن الله تعالى قد جعلني أنا السعادة والشقاء في هذا الوضع ليرى كيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>