أصنع، وأيقنت أن ليس بين هذين الضدين إلا حكمتي أو حمقي، وصح عندي أن احسن المداخلة في هذه المشكلة هو الحل الحقيقي للمشكلة.
قالت: فتغيرت لصاحبي تغيراً صناعياً، وكانت نيتي له هي أكبر أعواني عليه، فما لبث هذا الانقلاب أن صار طبيعياً بعد قليل. وكنت أستمد من قلب امرأته إذا اختانني الضعف أو نالني الجزع فأشعر أن لي قوة قلبين. وزدت على ذلك النصح لصاحبي نصحاً ميسراً قائماً على الإقناع وإثارة النخوة فيه وتبصيره بواجبات الرجل، وترفقت في التوصل إلى ضميره لأثبت له أن عزة الوفاء لا تكون بالخيانة، وبينت له أنه إذا طلق زوجته من أجلي فما يصنع أكثر من أن يقيم البرهان على أن يصلح لي زوجاً. ثم دللته برفق على أن خير ما يصنع وخير ما هو صانع لإرضائي أن يقلدني في الإيثار وكرم النفس ويحتذيني في الخير والفضيلة، وأن يعتقد أن دموع المظلومين هي في أعينهم دموع، ولكنها في يد الله صواعق يضرب بها الظالم قالت: وبهذا وبعد هذا انقلب حبه لي إكباراً وإعظاماً وسما فوق أن يكون حباً كالحب؛ وصار يجدني في ذات نفسه وفي ضميره كالتوبيخ له كلما أراد بامرأته سوءاً أو حاول أن يغض منها في نفسه. واعتاد أن يكرمها فأكرمها، وصلحت لها نيته فاتصل بينهما السبب، وكبرت هذه النية الطيبة فصارت وداً، وكبر هذا الود فعاد حباً، وقامت حياتهما على الأساس الذي وضعته أنا بيدي،
أنا بيدي. . . . . .
أما أنا. . . . . .؟
وكتب فاضل من حلوان: إن له صديقاً ابتلى بمثل هذه المشكلة فركب رأسه فما ردَّه شيء. عمد الزواج بحبيبته، وزُفَ إليها كأنه ملك يدخل إلى قصر خيالة وكأن أهله يعذلونه ويلومونه ويخلصون له النصح ويجتهدون في أمره جهدهم، إذ يرون بأعينهم ما لا يرى بعينه، فكأن النصح ينتهي إليه فيظنه غشاً وتلبيساً، وكان اللوم يبلغه فيراه ظلماً وتحاملاً؛ وكان قلبه يترجم له كل كلمة في حبيبته بمعنى منها هي لا من الحقائق، إذ غلبت على عقله فبها يعقل، وذهبت بقلبه فبها يحس، واستبدت بإرادته فلها ينقاد؛ وعادت خواطره وأفكاره تدور عليها كالحواشي على العبارة المغلقة في كتاب؛ واستقرت له فيها قوة من الحب أمرها إذا أرادت شيئاً أن تقول له كن. . .