للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم مضت الليلة بعد الليلة وجاء اليوم بعد اليوم والموج يأخذ من الساحل الذرة بعد الذرة والساحل لا يشعر، إلى أن تصر مت أشهر قليلة فلم تلبث الطبيعة التي ألفت الرواية وجعلتها قبل الزواج رواية الملك والملكة، وقصة التاج والعرش، وحديث الدنيا وملك الدنيا - لم تلبث أن انتقلت عليّ فجأة فأدارت الرواية إلى فصل السخرية ومنظر التهكم، وكشفت عن غرضها الخفي وحلت العقدة.

قال: ففرغ قلب المرأة من الحب وظمئ إلى السكر والنشوة مرة أخرى من غير هذه الزجاجة الفارغة. . . وبرد قلب الرجل وكان الشيطان الذي يتسعّر فيه ناراً، شيطاناً خبيثاً فتحوا إلى لوح من الثلج له طول وعرض. . . .

وجدت الحياة وهزل الشيطان، فاستحمق الرجل نفسه أن يكون اختار هذه المرأة له زوجة، واستجهلت المرأة عقلها أن تكون قد رضيت هذا الرجل زوجاً، وأنكرها إنكارا أوله الملالة، وأنكرته إنكارا آخر أوله التبرم؛ وعاد كلاهما من صاحبه كإنسان يكلف إنساناً أن يخلق له الأمس الذي مضى. وضربت الحياة ضربةً أو ضربتين فإذا أبنية الخيال كلها هدم هدم، وإذا الطبيعة مؤلفه لرواية. . . . قد ختمت روايتها وقوضت المسرح، وإذا الأحلام مفسرة بالعكس، فالحب تأويله البغض، واللذة تفسيرها الألم، و (البودرة) معناها الجير. . . . وتغير كل ما بينهما إلا الشيطان الذي بينهما، فهو الذي زوج وهو بعينه الذي طلق. . . .

وكتب أديب من بغداد يقول: إنه كان في هذا الموضع القلق موضع صاحب المشكلة، وأن ذات قرباه التي سميت عليه كانت ملفقة له في حجب عدة لا في حجاب واحد، وقد وصفت له باللغة. . . . وفي اللغة ما أحسن وما أجمل وما أظرف، وكأنها ظبي يتلفت، وكأنها غصن يميل، وكأن سنة وجهها البدر!

قال: وشبهت له بكل أدوات التشبيه وجاءوا في أوصافها بمذاهب الاستعارة والمجاز، فأخذها قصيدة قبل أن يأخذها امرأة. وكان لم ير منها شيئاً وكانت لغة ذوي قرابته وقرابتها كلغة التجارة في ألسنة حذاق السماسرة، ما بهم ألا تنفيق السلعة ثم يخلون بين المشتري وحظه.

قال: فرسخ كلامهم في قلبي، فعقدت عليها، ثم أعرست بها ونظرت فإذا هي ليست في الكلمة الأولى ولا الأخيرة مما قالوا ولا فيما بينهما. . . . ثم تعرفت فإذا هي تكبرني

<<  <  ج:
ص:  >  >>