بخمس عشرة سنة. . . . ورأيت اتضاع حالها عندي فأشفقت عليها وبت الليلة الأولى مقبلاً على نفسي أؤامرها وأناجيها وأنظر في أي موضع رأيي أنا، وتأملت القصة فإذا امرأة بين رحمة الله ورحمتي، فقلت إن أنا نزعت رحمتي عنها ليوشكن الله أن ينزع رحمته عني، وما بيني وبينه إلا أعمالي؛ وقلت يا نفسي:(إنها إن تكُ مِثقالَ حَبةً من خَردَلٍ فتكنْ في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتِ بها الله) وإنما أتقدم إلى عفو الله بآثام وذنوب وغلطات، فلأجعل هذه المرأة حسنتي عنده، وما عليّ من عمر سيمضي وتبقي منه هذه الحسنة خالدة مخلدة.
إنها كانت حاجة النفس إلى المتاع فانقلبت حاجة إلى الثواب، وكانت شهوة فرجعت حكمة، وكنت أريد أن أبلغ ما احب فسأبلغ ما يجب. ثم قلت: اللهم أن هذه امرأة تنتظرها ألسنة الناس إما بالخير إذا أمسكتها، وإما بالشر إذا طلقتها، وقد احتمت بي؛ اللهم سأكفيها كل هذا لوجهك الكريم.
قال: رأيتني أكون ألأم الناس لو أني كشفتها للناس وقالت انظروا. . . . فكأنما كنت أسأت إليها فأقبلت أترضاها، وجعلت أُماسحها وألاينها في القول وعدلت عن حظ نفسي إلى حظ نفسها، واستظهرت بقوله تعالى:(وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)؛ واعتقدت الآية الكريمة أصح اعتقاد وأتمه، وقالت اللهم اجعلها من تفسيرها.
قال: فلم تمض أشهر حتى ظهر الحمل عليها، فألقى الله في نفسي من الفرح ما لا تعدله الدنيا بحذافيرها، وأحسست لها الحب الذي لا يقال فيه جميل ولا قبيح لأنه من ناحية النفس الجديدة التي في نفسها (الطفل). وجعلت أرى لها في قلبي كل يوم مداخل ومخارج دونها العشق في كل مداخله ومخارجه، وصار الجنين الذي في بطنها يتلألأ نوره عليها قبل أن يخرج إلى النور، وأصبحت الأيام معها ربحاً من الزمن فيه الأمل الحلو المنتظر
قال: وجاءها المخاض، وطرقت بغلام؛ وسمعت الأصوات ترتفع من حجرتها: ولد! ولد! فبشروا أباه. فوالله لكأن ساعة من ساعات الخلد وقعت في زمني أنا من دون الخلق جميعاً وجاءتني بكل نعيم الجنة. وما كان ملك العالم - لو ملكته - مستطيعاً أن يهبني ما وهبتني امرأتي من فرح تلك الساعة. إنه فرح إلهي أحسست بقلبي أن فيه سلام الله ورحمته وبركته. ومن يومئذ نطق لسان جمالها في صوت هذا الطفل. ثم جاء أخوه في العام الثاني،