والدوائر الاستعمارية كلما اشتدت مقاومة الأحباش وزاد عجز إيطاليا وضوحاً، وبدا إزاء ما يحرزه الأحباش من انتصارات متوالية أن مغامرة إيطاليا الاستعمارية ستمنى بالفشل الذريع. وهذه النغمة هي التي يضرب عليها اليوم غلاة الاستعماريين الذين يشدون بأزر إيطاليا تحقيقاً لغايات السياسة القومية، مثل مسيو لافال رئيس الوزارة الفرنسية الذي يحاول أن يستبقي الصداقة الإيطالية بأي الأثمان ويخشى أن يؤدي انتصار الأحباش أعني السود على الإيطاليين إلى كارثة استعمارية تهز الأمم السوداء والملونة إلى الأعماق، وتعصف بنير الاستعمار الأوربي في أفريقية، ولفرنسا في أفريقية الشمالية والغربية والوسطى إمبراطورية استعمارية ضخمة؛ ومثل زعماء ألمانيا الهتلرية الذين يرون في سياسة إيطاليا الاستعمارية، وفي تحقيق غايات الاستعمار الإيطالي سنداً جديداً لمطامع ألمانيا الاستعمارية في استرداد بعض مستعمراتها القديمة تحقيقاً لنفس الغايات الاقتصادية التي يزعم موسوليني أنه يعمل لتحقيقها بالقضاء على حريات الحبشة واستقلالها
وهذه النعرة الجنسية حرية بأن تحدث أثرها في السياسة الإنكليزية؛ فإنكلترا كفرنسا تسيطر على إمبراطورية شاسعة من الشعوب الملونة ولاسيما في شرق أفريقية حيث تضطرم الحرب الحبشية، وسحق إيطاليا في الحبشة يحدث بلا ريب أثراً عميقاً في عقلية هذه الشعوب ويذكي فيها روح التمرد والمقاومة للنير الأجنبي؛ ولكن الظاهر أن إنكلترا مع تقديرها لهذا العامل ترى أن تضعه في المحل الثاني بالنسبة لعوامل جوهرية أخرى تضطرها أن تعمل في وجهة أخرى. ذلك أن إنكلترا ترى في العسكرية الفاشستية خطراً داهماً على سيادتها في البحر الأبيض، وترى في ظفر إيطاليا باجتياح الحبشة خطراً داهماً على أملاكها في شرق أفريقية وعلى سيادتها في وادي النيل؛ وترى على الجملة في استمرار هذه الفاشستية الطامحة المتجنية المشبعة بروح الاعتداء والتحدي، خطراً على سلامة إمبراطوريتها وسلامة مواصلاتها الإمبراطورية، وخطراً على السلم الأوربي بوجه عام؛ والمسألة الحبشية ثانوية في نظر السياسة الإنكليزية كما بينا أكثر من مرة، ولكنها تغدو في يد إنكلترا وسيلة ناجعة لمحاربة الفاشستية وتقويض دعامتها العسكرية والسياسة
على أن الذي نريد أن نلفت النظر إليه هو أن هذه النعرة الجنسية التي تهب ريحها اليوم على أوربا وتروجها الدوائر الاستعمارية، ليست جديدة ولا حادثة في أوربا، إنما هي نزعة