للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فوا لهف نفسي عليهن! طواهن الثرى في غياهبه، وما قضيْن بعد من العمر لبانة!

دعوني أتيه في ظلمات الغاب الدامسة، وأطأ بأقدامي أوراق الشجر اليابسة، فأنا لا أصدق أن جميع هؤلاء الفتيات الساحرات قد متن، وذوت نضرتهن وخمدت أصواتهن؛ ولا أكاد أصدق أن هذه المشاعل البراقة قد خبت أنوارها، وتلك الورود الزاهية قد هصرت أعوادها

ما نفسي إلا أخت لهذه الطيوف الجميلة، أما الحياة والموت فلا يفصلهما فاصل ولا قانون

فأنا طوراً أساعد خطواتهن وطوراً آخذ أجنحتهن فأموت مثلهن أو يعشن مثلي في رؤى عجيبة لا توصف

وتلبس أفكاري أشكالهن وصورهن ويخاطبنني قائلات: تعال!

ثم يتراقصن متشابكات مترابطات حول رموسهن ويتوارين عن عياني بهوادة، لا يخلفن لي غير الحلم والذكرى

- ٣ -

إنما أذكر منهن واحدة أسبانية: ملاك غض الصبى؛ أبيض اليدين. قد رفعت النهدين وعقدتهما زفرات بريئة. العين حوراء تلمع فيها نظرات فتنة وسحر

والجمال مجهول أمره، هذا الجمال الذي يتوج بهالة من النور والضياء جبين من بلغت الخامس عشر ربيعاً.

لم يقض الحب عليها، فالحب لم تخطر بعد لذائذه ومعاركه في فؤادها العاصي بالرغم من هتاف الناس عند مرورها: ما أجملها! كانت تهوى الرقص وهذا الرقص قضى عليها

فرفاتها لا يزال يرتعش رعشة الهدوء والسكون كلما رقصت حول كوكب السماء في الليلة المصحية غيمة بيضاء

كانت تعشق الرقص أشد العشق، وكانت تظل قبل كل حفلة ثلاثة أيام ولياليها تفكر فيه وترى من أجله أحلاماً زاهية، وترى نسوة وعازفين وراقصين كلهم يحفون بها

وترى الحلي اللامعة، والعقود الساطعة، وهذه النسائج الرقيقة الناعمة، وتلك النفائس البراقة المتلألئة، وهذه الشرائط الخفيفة التي تشبه أجنحة النحل اللطيفة: كلها وزهور وورود كانت تملأ في الحلم عينيها وتسحر نفسها

فإذا كانت الحفلة، ألفيتها لاهية ضاحكة مع رفيقاتها، تقبل حيناً وتدبر حيناً في المخامل

<<  <  ج:
ص:  >  >>