ثقته بهذا اللقاح، وتجاسروا على الجهر برأيهم، فانتفخت أوردة بستور في جبهته، ولكنه كظم غضبه هذه المرة واستطاع أن يحبس لسانه حتى خرج هو ورو وسارا في الطريق إلى منزليهما، وعندئذ انفجر بستور على هؤلاء وعلى أمثالهم ممن يعجزون عن الإيمان بالحق المحض الذي احتوته فكرته قال:(أنا لا أعجب إن أنت ذهبت إلى منازل أمثال هؤلاء فوجدتهم يضربون أزواجهن ضرباً)
صدقني، ما كان العلم لدى بستور جمع الحقائق بنفس مطمئنة باردة، فقد أثار فيه نفس الشيء الذي يثير الحيوان الآدمي إلى البكاء عند موت طفله، أو إلى الفرح والغناء عند نعي عم أو خال قد ترك له من بعد موته نصف مليون دولار.
وأخذ أعداء بستور يتبعون أثره ليثأروا منه شر ثأره. ولم يكن أعداؤه من الأطباء فحسب، بل كذلك كان البيطريون وهم رجال لهم مقام في الناس ونفع لهم. أساء بستور إلى هؤلاء وهؤلاء فتصدى له بيطري فنصب في طريقه فخاً عظيماً وأغراه بالوقوع فيه. وكان أسم هذا البيطار روسنيول قام ذات يوم في الجمعية الزراعية بميلان يغري بستور بإجراء تجربة عامة، يجريها على الملأ في سبيل العدالة العلمية ظاهراً، وفي سبيل القضاء على بستور وأم باطناً. قال للجمعية:(إن بستور يقول إن أسهل شيء في الدنيا صنع لقاح يحصن الشياه والأبقار من داء الجمرة تحصيناً كاملاً. فأن حق هذا القول عاد على زرّاع فرنسا بالنفع العظيم، ووفر عليهم عشرين مليون فرنك يخسرونها كل عام بسبب هذا الداء. إن بستور لو كان يستطيع حقاً إخراج هذا اللقاح العجيب، لما وجد على نفسه غضاضة أن يثبت لنا أنه يستطيعه. فهيا بنا ندعوه إلى تجربة عامة يجريها في الجمهور، فأن أصاب كان لنا الغنم نحن معشر المزارعين، والبيطريين، وان خاب سكت عن هذه الثرثرة الكاذبة ودعاويه الباطلة عن كشوفات هائلة تنجي من كل شيء، من ديدان الأرض إلى حيتان الماء). هكذا تمنطق هذا البيطار الماكر
وسرعان ما جمعت الجمعية مالاً كثيراً لشراء ثمانٍ وأربعين شاة، وعدد من الأبقار، وجَديَين، واختارت البارون دي لاروشت لمكانته وشهرته، فبعثت به إلى بستور ليدخل إليه من عجبه ليوقعه في هذه التجربة وفيها من الخطورة ما فيها.
ولم يشعر بستور أبداً بالذي يراد به، فقال للبارون: (بالطبع أنا راضٍ بالذهاب إلى جمعيتكم