إلا واحداً! تودد إلى أخيه أياماً، وعاتبه في هذه الجفوة التي لا يكون مثلها بين أخوين، فأعتبه. . . ثم دعاه إلى وليمة فاخرة يقيمها له في الـ (بيلوبيديه). . . فقبل ثيذتيس!
وفي اليوم المحدد. . . وبعد تدبير أحكمت حلقاته. . . أقبل ثيذتيس ليؤا كل أخاه، وليتصافح القلبان اللذان ينطوي كل منهما لصاحبه على الحب. . . واصرم الغل والحقد. . .
وحان موعد الغداء. . .
فنهضا إلى خوان عامر مجلل بما لذ وطاب من لحم يملأ قتاره الخياشيم الجائعة، ويسيل لعاب الأفواه المتلمظة. . .
وجلس ثيذتيس المنهوم فأكل حتى امتلأ. . . وما كاد ينتهي حتى كشف له الغطاء عن تلك الغيلة القاسية، التي يتنزه عنها أضرى الوحوش!!
لقد أكل ثيذتيس حتى امتلأ من الشواء الفاخر الذي أعد له من لحم أبنائه. . . وأكبادهم وقلوبهم. . . وهاهي الأصابع والأيدي والرؤوس والأقدام في سفط كبير على مقربة من الوالد البائس. . . شهيد على ذلك!!
وجن جنون الأب المسكين!
ولكنه عوجل هو الآخر بقاصمة الظهر. . . فذهبت روحه تتردى في ظلمات هيدز!
فيا للوحشية. . . وويل للمتوحشين!!!
- ٨ -
وكان إبجستوس يتقلب على وجهه في البلاد.
فلما علم بالمأساة التي ذهبت بأخوته، وبأبيه. . . شرد في الأدغال، ونفر في التيه الذي لا أول له ولا آخر من غاب هيلاس وأنس إلى الوحشية، وسمر إلى الذئاب، وصحب اللصوص وقطاع الطرق. . . وتلبَّث حتى اسند ساعده، واشتد عوده. . . وعاد مستخفياً يدبر أمر هذا الثأر الثقيل، ويرسم الخطط لهذا الدم المطول. . .
ولكن. . . لقد مات أتريوس. . . وحكم من بعده ابناه أجاممنون ومنالايوس. . . وهما اليوم تحت أسوار طروادة يصطرعان مع الطرواديين.