للمرأة وقلت لها: خذي وأطعمي أبنك، ووالله ما أملك بيضاء ولا صفراء وإن في داري لمن هو أحوج إلى هذا الطعام، ولولا هذه الخلة بي لتقدمت فيما يصلحك. فدمعت عيناها وأشرق وجه الصبي، ولكن طمّ على قلبي ما أنا فيه فلم أجد للدمعة معنى الدمعة ولا للبسمة معنى البسمة.
وقلت في نفسي: أما أنا فأطوى إن لم أصب طعاماً، فقد كان أبو بكر الصديق يطوي ستة أيام، وكان أبن عمر يطوي، وكان فلان وفلان ممن حفظنا أسماءهم وروينا أخبارهم؛ ولكن من للمرأة وأبنها بمثل عقدي ونيتي؟ وكيف لي بهما؟
ومشيت وأنا منكسر منقبض وكأني كنت نسيت كلمة الشيخ (لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة) فذكرتها وصرفت خاطري إليها وشغلت نفسي بتدبرها وقلت: لو أني أشبعت ثلاثة بجوع أثنين لحرمت خمس فضائل وهذه الدنيا محتاجة إلى الفضيلة، وهذه الفضيلة محتاجة إلى مثل هذا العمل، وهذا العمل محتاج إلى أن يكون هكذا، فما يستقيم الأمر إلا كما صنعت.
وكانت الشمس قد انبسطت في السماء وذلك وقت الضحى الأعلى، فملت ناحية وجلست إلى حائط أفكر في بيع الدار ومن يبتاعها، فأنا كذلك إذ مر أبو نصر الصياد وكأنه مُستَطار فرحاً فقال: يا أبا محمد ما يجلسك ههنا وفي دارك الخير والغنى؟ قلت: سبحان الله! من أين خرجت السمكة يا أبا نصر؟
قال: إني لفي الطريق إلى منزلك ومعي ضرورة من القوت أخذتها لعيالك ودراهم استدنتها لك، إذا رجل يستدل الناس على أبيك أو أحد من أهله، ومعه أثقال وأحمال، فقلت له أنا أدلك ومشيت معه أسأله عن خبره وشأنه عند أبيك. فقال: إنه تاجر من البصرة وقد كان أبوك أودعه مالاً من ثلاثين سنة فأفلس وأنكسر المال، ثم ترك البصرة إلى خراسان فصلح أمره على التجارة هناك وأيسر بعد المحنة، وأستظهر بعد الخذلان، وأقبل جده بالثراء والغنى فعاد إلى البصرة، وأراد أن يتحلل فجاءك بالمال وعليه ما كان يربحه في هذه الثلاثين سنة وإلى ذلك طرائف وهدايا.
قال أحمد بن مسكين: وأنقلب إلى داري فإذا مال جم وحال جميلة! فقلت: صدق الشيخ: (لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة)! فلو أن هذا الرجل لم يلق في وجهه أبا نصر في