هذه الطريق في هذا اليوم في هذه الساعة لما اهتدى إلي، فقد كان أبي مغموراً لا يعرفه أحد وهو حي، فكيف به ميتاً من وراء عشرين سنة؟
وآليت ليعلمن الله شكري هذه النعمة، فلم تكن لي همة إلا البحث عن المرأة المحتاجة وأبنها فكفيتهما وأجريت عليهما رزقاً، ثم اتجرت في المال وجعلت أربِّه بالمعروف والصنيعة والإحسان وهو مقبل يزداد ولا ينقص حتى تمولت وتأثَّلت.
وكأني قد أعجبتني نفسي وسرني أني قد ملأت سجلات الملائكة بحسناتي، ورجوت أن أكون قد كتبت عند الله في الصالحين، فنمت ليلة فرأيتني في يوم القيامة والخلق يموج بعضهم في بعض، والهول هول الكون الأعظم على الإنسان الضعيف يسأل عن كل ما مسه من هذا الكون. وسمعت الصائح يقول: يا معشر بني آدم! سَجَدَت البهائم شكراً الله أنه لم يجعلها من آدم. ورأيت الناس وقد وسعت أبداًنهم فهم يحملون أوزارهم على ظهورهم مخلوقةً مجسمة، حتى لكأن الفاسق على ظهره مدينة كلها مُخزيات!
وقيل: وضعت الموازين وجيء بي لوزن أعمالي. فجعلت سيئاتي في كفة وألقيت سجلات حسناتي في الأخرى، فطاشت السجلات ورجحت السيئات، كأنما وزنوا الجبل الصخري العظيم الضخم بلفافة من القطن. .
ثم جعلوا يلقون الحسنة بعد الحسنة مما كنت أصنعه فإذا تحت كل حسنة شهوة خفية من شهوات النفس كالرياء والغرور وحب المحْمَدة عند الناس وغيرها فلم يسلم لي شيء وهلكت عني حجتي، إذ الحجة ما يُبينه الميزان، والميزان لم يدلّ إلا على أني فارغ.
وسمعت الصوت: ألم يبق له شيء؟ فقيل: بقي هذا
وأنظر لأرى ما هذا الذي بقي، فإذا الرقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وأبنها! فأيقنت أني هالك؛ فلقد كنت أحسن بمائة دينار ضربةً واحدة فما أغنت عني ورأيتها في الميزان مع غيرها شيئاً معلقاً كالغمام حين يكون ساقطاً بين السماء والأرض لا هو في هذه ولا هو في تلك.
ووضعت الرقاقتان وسمعت القائل: لقد طار نصف ثوابهما في ميزان أبي نصر الصياد. فانخذلت انخذالاً شديداً حتى لو كسرت نصفين لكان أخفُّ علي وأهون. بيد أني نظرت فرأيت كفة الحسنات قد نزلت منزلة ورجحت بعض الرجحان.