تخضع لحكم الله مذاهب الفقهاء لا أن يخضع هو لها، فلا يجاب به المستفتى إلا إذا لم يطلب الفتوى على مذهب من مذاهب الفقهاء، فإذا طلب الفتوى عليها أفتى له بها ولو كان حكم الله المؤيد بالأدلة على خلافها، وأنّا لننزلها بهذا منزلة لم يردها لها أصحابها، ونجعل حكمها فوق حكم الله الذي كانوا يطلبونه فيها، وهم بشر يصيبون ويخطئون، ولم يدع العصمة أحد منهم في اجتهاده. وقد حكى ابن عبد البر عن معن بن عيسى بإسناد متصل به قال سمعت مالكاً يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيبفانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه
وحكى أبن القيم عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنهما قالا: لا يحل لأحد يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه. وذكر صاحب الهداية في كتابه (روضة العلماء) أنه قيل لأبي حنيفة: إذا قلت قولاً وكتاب الله يخالفه؟ قال اتركوا قولي بكتاب الله؛ فقيل إذا كان خبر الرسول يخالفه؟ قال اتركوا قولي بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إذا كان قول الصحابي يخالفه؟ قال: اتركوا قولي بقول الصحابي
وروى البيهقي عن الشافعي أنه قال: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت
وذكر الشعراني في كتابه (الميزان) أن الأئمة كلهم قالوا: إذا صح الحديث فهو مذهبنا وليس لأحد قياس ولا حجة
فإذا ثبت لنا الآن حكم مؤيد بالأدلة فهو حكم الله الذي يقول به أبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم، ولو كانت أقوالهم في حياتهم على خلافه، ولا شك أنا إذا أفتينا في ذلك على المذهب الذي يريد المستفتى الإجابة على مقتضاه نكون بذلك قد خالفنا حكم ذلك المذهب الذي جعل صاحبه حكم الله رائده، وتبرأ من قوله إذا صح حكم الله بخلافه؛ وقد كان من الواجب على الأقل أن يكون دستور هذه (اللجنة) ما ذكره الإمام الشوكاني، فإنه بعد أن ذكر أن المقلد لا يصلح للقضاء وأنه لا يحل له أن يفتي من يسأله عن حكم الله في أمر من الأمور قال: فإن قلت هل يجوز للمجتهد أن يفتي من سأله عن مذهب رجل معين وينقله له؟ قلت يجوز ذلك بشرط أن يقول بعد نقل ذلك الرأي أو المذهب إذا كانا على غير الصواب مقالا يصرح به أو يلوح ان الحق خلاف ذلك، فإن الله أخذ على العلماء البيان