الملكي بناحية (المعلى) بالضواحي، وهو قصر عظيم شامخ البنيان، يشبه الحصون العسكرية، ويشتمل على عدد كبير من الغرف المتسعة الأرجاء والردهات والأبهاء ذات العمد
وجلست بقاعة الاستقبال، في انتظار التشرف بالمقابلة، فسرني أن التقيت بكثير من أعيان العرب، الذين يأتون للمثول بين يدي الملك بملابسهم الفخمة، فيحادثهم كإنسان يستشير اخوته، ويرسم معهم كل ما يتعلق بسياسة الدولة وتدبير وسائل الرفاهية والراحة للحجاج. ولقد راعتني البساطة التي ألفيتها متمثلة في الملك والشعب معا، فالرسميات المعقدة التي تتبع في بلاط ملوك أوربا لا وجود لها في هذا البلاط العميق الديموقراطية. والواقع أن ابن السعود هو عاهل الجزيرة العربية بلا منازع، ولم يؤل الملك إليه عن طريق الوراثة، بل آل إليه عن جدارة واستحقاق
وطفقت أستوعب الدقائق إلى أن يحل دوري فأتشرف بالمثول بين يدي الملك؛ وكنت من خلال فترة الانتظار جالساً في مكتب سعادة فؤاد بك حمزة وزير الخارجية، الذي ذكر لي أني أول حاج قدم إلى مكة من بلاد المجر؛ وما كاد يحل دوري حتى تقدمني فؤاد بك حمزة وغشينا مجلس الملك، وبعد أن صافحته أومأ إلى أن أجلس بجواره، وقدمت إلينا القهوة، فرأيته يرشفها بشغف ولذة. ثم بدأ الملك يتحدث إلي فقال:(لقد قدمت من نجد إلى بلاد الحجاز وجبت البلاد من الشرق إلى الغرب لزيارة بيت الله وتفقد حالة الحجاج. وغاية ما أرمى إليه أن أؤلف بين قلوب رجالي متوسلاً إلى الله أن يلهمني وإياهم الصواب في أعمالنا. لقد عنيت عناية خاصة بإقامة الشرائع المحمدية ونشرت الأمن والسلام في أنحاء الجزيرة العربية، وفي وسعك الآن أن تتجول في أقصى بقعة من بقاع الجزيرة دون خوف ولا وجل. وسترى عما قريب أنني سأعيد إلى هذه البلاد عظمتها القديمة حتى تصبح موئل الإسلام كما كانت أيام سيد المرسلين)
إن هذا العاهل العربي العظيم يلمس تماماً مواطن الضعف في كل ركن من أركان بلاده ويعمل على إصلاحه وتقويمه ما استطاع إليه سبيلا؛ فالسلام مع الرقى والتقدم هما الأمران اللذان يعني بهما عنايته بطعامه وشرابه، وإقامة حدود الله مع المحافظة على استقلال الجزيرة هما الغايتان اللتان يسترشد بهما في تأدية واجبه، وهو لعمري الطريق السوي