ذاهب إلى باريس من غير شك، قال نعم أنا ذاهب إلى باريس، وماذا تكون فرنسا بدون باريس وبدون الحي اللاتيني ومونبارناس ومونمارتر؟ وقد زعموا أن الحركة الأدبية والفنية قد أخذت تنتقل الآن من مونبارناس إلى. . . قالت حسبك قد علمت هذا كله وعرفت رأيك فيه وسنعود إليه ولكن كيف تركت القاهرة؟ وكيف أتيت إلى باريس؟ قال وأي شئ أيسر من ذلك يا آنسة؟ إنما يستغرب هذا من رجل كانت تمسكه الأزمة في مصر ويعجز أجر السفينة أو نفقات الإقامة في فرنسا، فهذا الرجل إذا أتيح له السفر بعد امتناعه عليه يمكن أن يسأل أنّى لك هذا في مثل هذه الأيام الشداد. فأما إذا كان الذي يحول بين الرجل وبين السفر إرادة وزير من الوزراء أو عناد رئيس من الرؤساء فما أيسر أن يريد الوزير وقد كان لا يريد، وما أسهل أن يلين الرئيس وقد كان متأبيا عنيدا، وهذه قصتي فما زلت برئيسي حتى رق لي وما زلت بوزيري حتى عطف عليّْ. قالت صنع الله للرئيس وللوزير معا فلولا ظرف أحدهما وعطف الآخر لما أتيح لك أن ترى باريس.
قال بل لما أتيح لي أن أسعد بلقائك في نيس وأن اسعد باصطحابك ساعة أو ساعات على ساحل البحر، هذا الساحل الجميل الهادئ القوي معا حيث نستطيع أن نرى البحر والجبل وقد دنا كلاهما من صاحبه في مودة وألفة وحيث نستطيع أن نرى الطبيعة الحرة القوية والحضارة البديعة المترفة وهذه القصور الشاهقة تشرف على البحر وتشرف عليها الجبال، وحيث نستطيع أن ننشد قصيدة بودلير هذه القصيدة الرائعة التي كنت تغنينها في القاهرة أجمل غناء، أتذكرين؟
لقد عشت دهرا طويلا تحت أروقة واسعة تضيفها شمس البحر، قالت نعم كل هذا أذكره، وكل هذا افهمه وكل هذا لا تفسير له إلا انك قد رجعت إلى صوابك واسترددت قواك موفورا واستأنفت ما ذهب من العبث والمزاح. فقد آمنت انك سعيد بلقائي وقد آمنت انك ستسعد وسأسعد معك بقضاء ساعة أو ساعات على هذا الساحل الجميل.
وقد آمنت بأن رئيسك خليق بالشكر لأنه رق لك بعد أن قسا عليك وان وزيرك حري بالثناء عليك لأنه لطف بك بعد أن كان شديدا عنيفا ولكني لن أتحدث إليك الآن ولن اسمع منك الحديث عن الجبل والبحر ولا عن الصخور والقصور، فقد يتاح لنا الحديث عن هذا كله بعد حين. إنما أحب أن أسمع منك أنباء مصر، قال أنهما لخليقان بالشكر والثناء حقا