ولا سيما حين تعلمين. . . قالت لا أريد أن أعلم شيئا. قال وهو يضحك ضحكا ملئه المكر والإلحاح: بل يجب أن تعلمي لتضاعفي الشكر وتجزلي الثناء فإني لم أرحل للسياحة ولا للراحة ولا لرؤية باريس وإنما رحلت. . . قالت لأمر من أمور الدولة فستدرس شأنا من شؤون التعليم أو فنا من فنون النظام أو لونا من ألوان الإدارة أو شيئا من هذه الأشياء التي يرحل الموظفون لدرسها في أوروبا أثناء الصيف، فيسرحون ويمرحون ويلهون ويلعبون ويكتبون في آخر الصيف تقريرا يرفعونه إلى الرئيس أو إلى الوزير، فيتلقى الوزير أو الرئيس هذا التقرير ويتلقى صاحبه كلمة شكر وثناء وقد فهم الرئيس عن صاحب التقرير وفهم صاحب التقرير عن الرئيس ما يريد كل منهما أن يفهم عن صاحبه، وأؤكد لك أني أضاعف شكري لصاحبيك وثنائي عليهما؛ ولكن أرحني من حديثهما كما أرحتني من حديث البحر والجبل والساحل وعد بي إلى مصر. قال ما أشد شوقك إلى مصر وتلهفك إلى الحديث عنها! ألم تشبعي من مصر وقد أقمت فيها سنة كاملة منذ رحلتك الأخيرة؟ أمشتاقة أنت إلى مصر ولما يمض على فراقك إلا عشرة أيام؟ قالت فإني لا أريد ان تحاسبني على ما أجد أو لا أجد من الشوق إلى مصر وعلى ما أحس أو لا أحس من الضيق بمصر، وإنما أريد أن تحدثني عنها كيف تركتها؟ وكيف تركت أهلها؟ ثم مست هذا الزر الكهربائي الذي لا تخلو منه غرفة من غرف الفنادق فما أسرع ما أقبلت الخادمة فهمت أن تطلب إليها الشاي ولكنه اعترض دون ذلك وقال: ماذا تريدين أجننا حتى نتناول الشاي في غرفة مغلقة والجو صحو والماء صفو والشمس توشك أن تنحدر إلى مغربها فترسل على الجبل والبحر. . قالت حسبك فإني أستطيع أن أتم ما تريد أن تقول. قال وإذن فهلم نتناول الشاي حيث نستطيع أن نستمتع بهذا الجمال الذي لا نجده في مصر، وكان حازما ملحا، فلم تجد بدا من أن تسمع له وتستجيب لدعائه، فصرفت الخادم ونهضت فغابت عنه قليلا في غرفة مجاورة متصلة بالغرفة التي كان فيها. ثم عادت إليه وقد اتخذت زيها المنظم المنسق الذي عرفه في القاهرة، فلما رآها اطمأن إلى هذا الزي الذي كان يألفه، ولعله أسف على ذلك الزي المهمل الذي كان أعجبه والذي كان قد أخذيطمئن إليه. وما هي إلا لحظات حتى كانا يسعيان معا في هذه الطريق الجميلة على ساحل البحر تلك التي يسمونها في نيس طريق الإنجليز.