شبه رواية عن محمد، يجري الكلام فيها على لسانه من غير أن يخترع أو يتزيَّد؛ ثم هو مع ذلك يحاول أن يرضي الفن ويلم بدينه في وقت معاً. . .؟ ولكن المؤلف بسبيل هذا الفن قد تصرف في موضعين: أما أولهما فانه كان يجد بعض ما وري عن النبي محكيا بلغة الخبر لا بلغة الحديث، واتجاهه في الموضوع أن يجعل القصة حواراً: كلاماً يجيب كلاما، وخبراً يرد خبرا، فلم يجد أمامه إلا أن يترجم الخبر إلى لغة الكلام لتستقيم له طريقة في الأداء. فمن ذلك مثل ما تقول كتب السيرة:(استأذن فلان على النبي، فأذن له.) يؤديه المؤلف حوارا كما يلي:
-: أيذَن لفلان يا رسول الله. . .
-: أذِنْت
وهذا وإن لم يكن قول النبي - لأن عبارته في الإذن لم تنقل إلينا في الحديث - جائرٌ فيما أراه، فهو باب من رواية الحديث بالمعنى، وقد أجازها رجاله. على أن هذا النوع في الكتاب قليل جداً لا يتجاوز بضع عبارات؛ ولعل أطول عبارة أجراها المؤلف على لسان النبي، هي ذلك الدعاء الذي ترجم له كتاب السيرة بقولهم:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنّث في غار حراء. . .) فرأى المؤلف من تمام موضوعه أن يجعل على لسان النبي كلاماً يدعو به ربه في تحنُّثه (ص ٣١)، وأحسب أن المؤلف كان كثير الحرج في مثل ذاك، فإني لأحس في أكثر من موضع من الكتاب أر كلاما هناك كان ينبغي أن يقوله محمدٌ فلم يقله (المنظر الثالث ف١، النبي وورقة بن نوفل ص ٣٧)
أما الموضع الثاني الذي تصرف فيه المؤلف، ففي ترتيب مناظر الكتاب، فهو لم يلزم الترتيب الزمني الذي جرت عليه السيرة، فقدَّم وأخر، ومازج حوادث وحوادث؛ وليس في هذا - على إجماله - ما يعيب المؤلف، فهو لم يقصد إلى أن تكون للكتاب وحدة القصة، بحيث تبنى حادثة على حادثة، وتأتي مقدمة بنتيجة، بل جرى على أن يجعله مناظر يعطي كل منظر منها أو مناظر صورة خاصة لفكرة أو حادثة بعينها، ثم أن يكون للقارئ من مجموع هذه الصور في النهاية، صورة محدودة للنبي الكريم كما يجب أن يعرفها المسلم
الآن قد فرغت من عرض الكتاب كما أراد مؤلفه وكما دلني على نفسه، وإني لأشهد أن مؤلفه قد وفق توفيقا كبيراً فيما حاول، وبلغ بهذا الكتاب ما لا يبلغ غيره؛ وما أحسب أن لي