في هذه الناحية أن أتكلم عن توفيق الحكيم في فنه، فمن للعربية في فن الرواية مثل توفيق؟ على أن هذا الكتاب باب جديد هو زادَه وأنشأه في فن القصة، فمن الفضول أن تقول له: أنت اخترعت وأنت لم تبلغ حد الكمال. . .!
ولكن طابع توفيق الحكيم وشخصيته الفنية لم يكونا ظاهرين مميزين في أسلوب الحوار وفي تساوق القصة ظهورهما وتميزهما في سائر ما ألَّف. وسر ذلك واضح، فهو هنا لم يضع الكلام، ولم يخترع الحادثة، بل نقل وصنف، وداخل ومازج، وإنما تجد طابعه وشخصيته حيث يجد لنفسه الحرية فيما يقول أو فيما يضع:(اقرأ الحوار بين إبليس والحية ص ١٥٣ - ١٥٧، وموت أبي طالب، وغزوة بدر، وحديث الإفك، وعائشة الغيور) فانك واجد فيها وفي كثير غيرها روحاً وحياة وفناً، فكأنك معها ترى وتسمع وتحس
وأكثر الكتاب من لغة الرواة، لاءم بينها المؤلف ما استطاع ليربطها على أسلوب من البيان منسجم، فأيّ جهد حمل من ذاك؟. . . ولكن عبارات وكلمات نقلت على غير وجهها مما أخطأ الأقدمون على نسخه، وعبارات وكلمات جاءت متداخلة من وضع المؤلف، فأخلَّت بنظم الكلام في غير موضع، ونبا بها مكانها من ذلك البيان العربي المشرق. على أن ذلك لا يعدو بضع عشرة كلمة في الكتاب كله، فما نراها إلى جانبه بشيء ذي بال
وقد كان جهد المؤلف كبيراً في ربط الروايات المختلفة والتوفيق بينها، ليخلص منها إلى الرأي الذي يرى؛ وكان إلى ذلك حريصا على أن تكون (المناظر) قليلة بقدر ما يتأتى له، فجاء من ذلك أن يجعل الحوار في منظر واحد لأكثر من موضوع، وأذ كان الحديث كله بين المتحاورين من الآثار المروية - لم يغير ذلك شيئاً من نص الكلام كما نقله السلف، ولكنه غير جوه فتغير من ذلك مدلوله؛ فمن ذلك حديث النبي عن زوجاته في الجنة، إلى خديجة وهي تُحتضر، (وفاة خديجة ص ١٠٠)؛ ومنه حديث (حُبِّبَ إليّ الطيب والنساء) روايتُه على مسمع عائشة في غيرتها المشبوبة وقد جاءها النبي يهمّ أن يتزوج جويرية بنت الحارث. . .!
وجاء في خبر عثمان بن مظعون أن ملاحاةً كانت بينه وبين لبيد بن ربيعة قبل هجرته إلى الحبشة، وأحسب ذلك كان بين الهجرتين؛ فقد كان عثمان على رأس الفوج الأول إلى الحبشة، ثم عاد فاستجار الوليد بن المغيرة حيناً، ثم خلع جوارَه وكان بينه وبين لبيد