للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عليه كسوة بديعة من الحرير الأصفر، وقد ركب إلى جواره أحد أمراء المئين راكباً على فرس يحمل المظلة وهي حبرة من الأطلس الأصفر المزركش بالذهب، من أعلاها قبة من الحرير نفسه، وفوقها طائر من الفضة المذهبة

وتلقت الجموع الزاخرة من أهل القاهرة ذلك الموكب بالتهليل والطرب؛ وكان السلطان كلما مر بجماعة ضجوا بالدعاء له بالنصر والفتح وقرءوا الفاتحة تبركاً وتيمناً؛ ومازال ذلك الموكب حتى بلغ القلعة فلم يبق ركن من أركان القاهرة لم يهتز لرؤيته والاشتراك في الحفاوة به

والآن فلنخرج مرة أخرى لنشارك أجدادنا أهل القاهرة في التمتع برؤية موكب آخر سائرين في ركاب السلطان إلى ميدان بجوار القاهرة كان ملوك مصر إذ ذاك يقصدونه للرياضة والتنزه ويلعبون فيه لعبتهم المشهورة وهي (الكرة)؛ وكانوا يخرجون لذلك إلى أحد ميدانين: الأول الميدان الناصري الكبير، والثاني ميدان سرياقوس. وكان الخروج إلى كل من هذين الميدانين في أوقات معينة من السنة، فالركوب إلى الميدان الكبير الناصري كان يقع في شهري سبتمبر وأكتوبر؛ وذلك الميدان على ضفة النيل في جهة بستان الخشاب فيما بين القاهرة ومصر القديمة. وكان الخروج إليه في كل يوم سبت من الشهرين المذكورين. وقد كان بودي لو استطعت في هذه الكلمة أن أصف مواكب خروج السلاطين إلى كل من هذين الميدانين، ولكنني أكتفي بوصف موكب واحد وهو موكب الخروج إلى الميدان الكبير الناصري

خرج السلطان الملك الناصر صباح أول يوم السبت بعد وفاء النيل بادئاً موسم لعب الكرة والصولجان في ذلك الميدان الفسيح؛ وكان خروجه في الصباح، ولكن الشمس كانت قد بسطت سلطانها على الأحياء فبدأ حرها يشتد وتكاثر الناس وازدحموا على الطريق ليروا السلطان وهو يخرج سائراً نحو الغرب إلى قناطر السباع القائمة فوق الخليج، وذلك في موضع ميدان السيدة زينب الآن، ومن هناك سار نحو النيل إلى الميدان. وكان في أول الموكب فارسان يلبسان ثياباً من الحرير الأصفر وعلى رأس كل منهما كوفية من الذهب على هيئة طاسات الحرب، وكانا يركبان فرسين أبيضين بحلية بديعة من الذهب، وكان على كل من الفرسين كساء من الحرير الأصفر المزركش بالذهب يغطي من تحت أذنيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>