الدول الاستعمارية الكبرى في هذا الصراع؛ ذلك أن تقدم اليابان نحو الغرب والجنوب يكون معناه انهيار صرح أوربا الاستعماري في الصين، ويكون نذيراً بتقويض السيادة البريطانية في الهند، والسيادة الفرنسية في الهند الصينية، والسيادة الهولندية في جاوه وسومطره؛ ونذيراً بتقويض سيادة السوفيت في منغوليا والتركستان؛ وتقويض صرح الاستعمار الغربي في هذه البلاد والأقاليم الشاسعة الغنية، معناه تقويض سيادة أوربا الاقتصادية في آسيا وضياع تلك الأسواق الرابحة التي غنمتها في ظل هذه السيادة التي تؤيدها جميع الوسائل والقوى الاستعمارية المادية والمعنوية
وليس من شك في أن اليابان تتقدم في هذا السبيل بخطى واسعة تزعج أوربا وتروعها؛ فالصناعة اليابانية التي تدعمها ظروف محلية مدهشة تتقدم في جميع الميادين بخطى هائلة، وقد غزت التجارة اليابانية الأسواق الآسيوية القديمة بسرعة مدهشة، وتخطى هذا الغزو إلى أوربا وأخذ يحدث الارتباك والذعر في أسواقها، وأخذت أوربا تفكر في مصايرها الاقتصادية التي تدعمها في آسيا وأفريقيا سيادة استعمارية تجوز اليوم في آسيا أمام الغزو الأصفر مأزقاً من أخطر المآزق، والواقع أن اليابان تخوض غمار النضال مع الغرب في ظروف حسنة جداً، فأوربا تشغل اليوم إلى أقصى حد بمشاكلها ومسائلها الخاصة؛ وبينما تشخص الأبصار نحو ألمانيا ونهوضها الحربي، وبينما تشتغل فرنسا بالتحوط لمقاومة ألمانيا وتوطيد تحالفها مع السوفييت، وتشتغل إيطاليا بحلمها الاستعماري، وتشتغل إنكلترا بمقاومة مشاريع إيطاليا الاستعمارية، إذا باليابان تحصر اهتمامها ومشاريعها في الصين، وتنذر أوربا وأمريكا في جرأة وصراحة أن ارفعوا أيديكم عن الصين، وتعلن عزمها على مقاومة أي تدخل أو محاولة استعمارية جديدة من جانب الدول في الصين، على نحو ما يقرره مبدأ مونرو الأمريكي بالنسبة لأمريكا؛ وقد كانت الدول الأوربية تعتمد من قبل على اضطرام المنافسة بين اليابان وأمريكا حول السيادة في المحيط الهادي، واشتغال اليابان بأمر هذه السيادة والتحوط لضمانها وتوطيدها، وكانت السياسة الأمريكية منذ أعوام تتجه فعلا إلى مناوأة اليابان والحد من أطماعها، ولكن أمريكا اليوم ترتد إلى سياستها القديمة، وتنظر إلى مشكلة الباسفيك بعين أخرى، وترى أن تقتصر على تأمين سلامتها البحرية في شرق المحيط، يدل على ذلك أنها تنازلت عن حمايتها على جزائر الفليبين التي كانت