قال الشيخ: وتسخر مني لعنك الله؟ فمتى كنت تعلم الحقيقة والفضيلة؟
قال إبليس: أولم أكن شيخ الملائكة؟ فمن أجدر من شيخ الملائكة أن يكون عالمها ومعلِّمها؟
قال: عليك لعنة الله فما هي حقيقة الزهد والعبادة؟
قال إبليس: حقيقتها يا أبا عامر هي التي أعجزتني في نبيكم
قال الشيخ: صلى الله عليه وسلم فما هي؟
قال إبليس: هي ثلاث بها نظام النفس ونظام العالم ونظام اللذات والشهوات: أن تكون لك تقوى، ثم يكون لك فكر من هذه التقوى، ثم يكون لك نظر إلى العالم من هذا الفكر. ما اجتمعت هذه الثلاث في إنسان إلا قهر الدنيا وقهر إبليس
فان كانت التقوى وحدها كتقوى أكثر الزهاد والرهبان، فما أيسر أن أجعل النظر منها نظر الغفلة والجبن والبلادة والفضائل الكاذب؛ وإن كان الفكر وحده كفكر العلماء والشعراء فما أهون أن أجعل النظر به نظر الزيغ والإلحاد والبهيمية والرذائل الصريحة
قال الشيخ: صدق الله العظيم: (إن الذين اتقوا ربهم إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مُبصرون)
قال إبليس: يا أبا عامر! ما يضرني والله أن أفسّر لك فإن قارورة من الصَّبغ لا تصبغ البحر، وأنا أعد الزهاد والعلماء المصلحين فأضع في الناس بجانب كل واحد منهم مائة ألف امرأة مفتونة ومائة ألف رجل فاسق ومائة ألف مخلوق ظالم، فلو أنك صبغت البحر بملء قارورة حمراء لما صبغت البحر الإنسانيَّ بالزاهد والمصلح ما دام المصلح شيئاً غير السيف، وما دام الزاهد شيئاً غير الحاكم
قال الشيخ: لعنك الله من شيطان عارم، فإذا وضعت المصلح بين مائة ألف فاسد فهل هذه الطريقة شيطانية لإفساده؟
قال إبليس: ومائة ألف امرأة فتانة مفتونة يا أبا عامر كل واحدة تحسب جسمها. . .
فصرخ الشيخ: أغرب عني عليك لعنة الله!
قال إبليس: ولكن الآية يا أبا عامر. لقد لقيتُ المسيح وجرّبته وهو كان تفسيرها
قال الشيخ: عليه السلام! وعليك أنت لعنة الله! فكيف قال؟ وكيف صنع؟
قال إبليس: ألقيتُ به جائعاً في الصحراء لا يجد ما يطعمه ولا يظن أنه يجد ولا يرجو أن