ثم يطوى التاريخ طياً ليقف كل أمام أول دكتاتور في التاريخ الحديث فيسترعي نظره أن يكون (كرومويل) أول الدكتاتوريين ويكون في نفس الوقت أبرَّ أبناء أمة تسمى (أم البرلمانات)، وكأن الدكتاتورية ظاهرة تبدو مع الثورات دائماً أو مع الديمقراطية أو مع النظام النيابي
نائب كمبردج في سنة ١٦٢٨ وقائد الخيالة في معترك الثورة سنة ١٦٤٤، ذلك الفيلق الذي اشتهر بأنه (الشاطئ الحديدي) والذي ارتفع على صهواته كرومويل إلى ذروة الزعامة المطلقة، ذلك مثلما عبر هتلر على أكتاف القُمُص السمراء، وكما وصل موسوليني بقمصان سود؛ فلما قتل شارل الأول واستتب الأمر للدكتاتور أعلن أن الحكم يومئذ للدين، وفي ٣٠ إبريل سنة ١٦٥٣ ذهب إلى دار النيابة يقول:(هيا يا قوم. . . كفانا سفسطة) وحل المجلس وانفرط عقد المساكين وعلق بيده على باب البرلمان لوحة مكتوباً عليها (. . . غرفة غير مفروشة للإيجار!!!) لكن الأيام مضت وألفى الطاغية نفسه وحيداً فأعاد البرلمان، وأخيراً بعد ١٤ عاما من الحرب الأهلية مات كرومويل وعاد شارل الثاني بعد أن تعلمت الأمة أن الملكية خير وأبقى، ولكن بعد أن تعلم الملوك درساً
وهذا هو الكردينال العظيم: أبو فرنسا وأبو الأكاديمية يضع يده على مقاليد الحكم فهي فوضى مالها من قرار. فمن ملك حدثٍ في أكناف أم طائشة يهدد ملكه أمراء طامحون، إلى أمراء يمكنون لسيادتهم في الأرض كأنهم رؤوس تعلو مفارقها التيجان، إلى نزاع ديني بين (الهيجنوت) والدولة. . كل ذلك في الداخل، أما في الخارج فيت هيسبورج تقدح عيناه بالشرر؛ لكن الأب (ريشيليو) لا ينهزم، فيسلخ السنوات الأولى من (وزارته) في أخلد كفاح سياسي عرفه التاريخ لوزير، ويضرب الأمراء ضربات ليس فيها إشفاق، ويقتلع نفوذ الهيجونت من الأعماق؛ وبعد أن يوطد دعاماته في الداخل، يبعث إلى النمسا بفيوض الحماسة الفرنسية لتنتصر عليها في معارك دامية!. . كم يرسم المؤلف من رائع الصور وأسماها لهذا الأب وهو محموم ومحمول على محفة متواضعة يتنقل فيها بين أطراف الدولة ليستولي على قلعة أو ليخضع أميراً أو لينازل النمسا. . .! كل ذلك وهو في (جفن الردى وهو نائم) فان الأمراء لم ينصبوا له أقل من عشر مؤامرات دموية جهلاً منهم أن الفزع لا يعرفه قلب كهذا القلب، بل التهديد يكسب في أمثاله فيضاناً من الحياة، فلا يتردد