مادته منقولة عن الأعراب. وعلى العموم فمؤلفات الجاحظ الأدبية بجملتها تفتق اللسان وتقوي العارضة وتمدنا بثروة واسعة من التعابير الجميلة وتعطر أفئدتنا وتنعش صدورنا بمعانيها اللطيفة الفريدة. يقول المسعودي في هذا الصدد:(كتب الجاحظ تجلو صدأ الأذهان وتكشف واضح البرهان) ويقول ابن العميد: (كتب الجاحظ تعلِّم العقل أولاً والأدب ثانيا. . .)
ثقافة الجاحظ العلمية
ويعني ابن العميد بهذا القول أن يقول أن كتب الجاحظ تعلم العلم أكثر من أنها تعلم الأدب، والواقع أن كتب الجاحظ الأدبية لا العلمية تتضمن ملاحظات بارعة وإشارات دقيقة ومعلومات قيمة يمكن أن تبنى عليها بحوث علمية رائعة.
حدثني أحد المهتمين بالثقافة العربية أنه قرأ رسالة التفاح للجاحظ في مكتبة بألمانيا فوجد بها ملاحظات وتجاريب للجاحظ مدهشة منها أن الجاحظ كان يكتب بمادة كيمياوية بعض الأسماء على التفاحة قبل نضجها. فتظهر الأسماء على التفاحة بعد النضج، وكأنها خلقت على هذه الصورة وكأن الأسماء نقشت على التفاحة نقشا طبيعيا. وذكر أن الجاحظ أبان في هذه الرسالة كيف تتلون التفاحة في الطبيعة: فالقمر يخلع عليها اللون الأصفر والشمس تهبها اللون الأحمر. وهذه الحقائق لا أعلم مبلغ صدقها. ولكني أثبتها بقصد الإثارة للبحث عن هذه الرسالة ونشرها. ولا شك في أن رسائل الأدب لا تخلو من معلومات مفيدة للعلم فما بالنا بالرسائل والكتب العلمية مثل كتب: النبات، والمعادن، والكيمياء، والطب وغيرها التي لم نطلع عليها وا أسفاه إلى الآن، والتي أفاد منها الغربيون واستقوا آراءهم. فقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية أن كازويني وداميري اعتمدا في بحوثهما العلمية على كتاب الحيوان والنبات للجاحظ، ونحن وان كنا قد عثرنا في مطالعاتنا على طائفة من حقائقه العلمية فان هذه الحقائق تعتبر نقطة من محيط. وشعاع من شمس قد يهدف ذكرها في هذا الموضع إلى سوء التقدير وغباوة الحكم، ولهذا فإني اكتفي هنا بتوضيح مذهبه في البحث وطبعه العلمي وحبه للتحقيق والتدقيق. فها هو ذا يقدم لأحد كتبه في الحيوان بالتعوذ بالله من أن يدعوه شغفه بإتمام كتب الحيوان إلى أن يصل الصدق بالكذب أو يدخل الباطل في تضاعيف الحق. أو يتكثر بقول الزور أو يتلمس تقوية ضعفه باللفظ للحسن وستر قبحه