في هذه الحقيقة الطبيعية تظهرك على أن التطفل حيثما كان وأنى كانت وسائله ومظاهره، لن ينتج إلا هدماً في الحياة، ولن يبرز إلا فسادا، ولن يؤدي إلا إلى إرهاق شامل في القوى الحيوية تختلف درجاته ومظاهره ونتائجه باختلاف الظروف. وقلما يستطيع عالم طبيعي أن يخص تلك الظروف التي يتجلى فيها فعل التطفل في عالم الأحياء، فان ذلك من الأشياء التي يستعصي على العلم تعديد مظاهرها عامة وخاصة، وفعل كل متطفل في مختلف الظروف، على كل متطفل عليه في متباين الحالات. وإنما يستطيع الإحيائي أن يدرس ظواهر التطفل في حالات يقف عليها، وأن يدرس أثر الحي المتطفل في بنية الحي المتطفل عليه، محصياً في كثير من الحالات أوجه العلاقة بينهما وتأثير دورة حياة الحي المتطفل في حاضنه
ولن يعدو العالم الاجتماعي هذه الحال عينها. فليس في مستطاعه أن يحصي أوجه التطفل الاجتماعي في مجتمع بعينه، ولا يدرس الحالات درس توفر على دقائقها وتدرجاتها التي تكفل له الوصول إلى نتائج مقطوع بصحتها قطعاً تاماً. والعلم الاجتماعي أضعف وسائل من العالم الطبيعي. فان هذا بين جدران معمله، يستطيع أن يحصر الحالات ويحدد الظواهر، في حين أن زميله الاجتماعي إنما يتأمل من حالات عامة غير محصورة ولا محددة تحديداً يجعل الحكم القاطع على أصولها وظواهر أمراً سهلا هيناً. غير أن هذا كله لن يحول بين الباحث الاجتماعي وبين تبين الحالات الكلية التي يتخذ درس مظاهر التطفل الاجتماعي وسيلة إلى اكتناهها.
من الحالات الكلية في التطفل الاجتماعي، بل ومن أظهر تلك الحالات أثراً في الجماعات الحديثة عامة، وفي مصر خاصة، تسلط غير ذوي الكفايات، وإن شئت فقل المتعطلين، على موارد ما تنتج الأيدي العامة من ناحية، وعلى إنتاجها نفسه من ناحية أخرى، من غير أن يكون لهؤلاء المستغلين أي ضلع في تكوين المورد أو في الإنتاج. من هنا تحدث حالة من حالات التطفل الاجتماعي تستنفذ فيها أيد متعطلة ثمرات الجهود التي أيد عاملة، بغير أن تنال الأيدي العاملة من ثمرات جهودها ما يكفي لحفظ حيويتها أو قدرتها على العمل والإنتاج. فان من شأن المتطفل أن يجتهد في استغلال حاضنه بكل صور الاستغلال، وأن يبلغ من الانتفاع بحيويته جهد ما يستطيع، وكلما قلت قوى المقاومة في الحاضن ازداد