للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبرها بالسعادة والهناء

أعطتني عشرين وثلثمائة وألفين من الفرنكات. فقدمت العشرين فرنكا إلى القسيس لأجل دفنها، وأخذت الباقي لما فاضت روحها، وقصدت منزل شوكه، فلما دخلت كان وزوجه يتناولان طعام الغداء وقد جلس الواحد أمام رفيقه، والاحمرار يكسو وجهيهما، والسعادة تسبل عليهما ظلها الوارف وبشرها الطافح. طلبا إلي الجلوس فجلست، وقدما لي كوبا من مشروب (الكيرسك) فتناولته شاكراً وبدأت أنقل لهما القصة بصوت مضطرب حزين، لأني زعمت أنهما سيبكيان ويحزنان على أن شوكه ما كاد يفهم أن هذه الأفاقة الشريدة تضمر له حباً وولاء حتى جن جنونه وثارت ثائرته وشرع يثب من السخط والغضب كأنما سلبته المسكينة من المجد والشهرة، ومن العزة والشرف شيئاً كثيرا. أما الزوجة فكانت تصيح والغيظ يملؤها (يالها من نذلة! يالها من نذلة!)

ثم نهض شوكه وألقى بقبعته على الوسادة وأخذ يذرع أرض الغرفة جيئة وذهاباً كأنه أحد المجاذيب وكان يتمتم: (أو يمكن هذا يا دكتور؟ إن ذا لشيء فضيع! ما العمل؟ يا ليتني عرفت الأمر في حياتها! فلكنت أسوقها سوقاً إلى السجن بقوة الدرك)

فلبثت أنا كالمشدوه مما سمعته أذناي ورأته عيناي لا أدري ما ينبغي لي من قول ومن عمل. على أنني عقبت كلماتي: (سيدي إنها أوعزت إليّ أن أحمل إليك ما تركته من نقود، وقدرها ثلثمائة وألفان من الفرنكات. ولما كان ما نقلته لك من حديثها قد أثار فيك سخطاً وسوءاً، فلعل من الخير أن نهب النقود بعض الفقراء والمساكين)

نظرا وقد أفقدتهما الحيرة كل حركة!

فأخرجت المال من محفظتي، هذا المال المتجمع من بلدان عديدة والمدَّخًر من جميع النقود من ذهب وفضة وغيرهما. وسألته قائلا: (ماذا عزمت؟)

قالت السيدة شوكه: (مادامت ربة المحتضرة الأخيرة تقضي بذلك. فأرى من الصعوبة رفض إرادتها)

وقال الزوج واحمرار الخجل باد عليه: (إن هذا المال ينفعنا في اقتناء بعض الحاجيات لأطفالنا)

قلت عند ذلك بصوت جاف: (كما تشاء)

<<  <  ج:
ص:  >  >>