للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يستطيعوا البرهنة على هذه النقطة في وضوح. ولا يقبل الغزالي كذلك التفسير النفسي السيكلوجي للنبوة ويرفض رأي الفلاسفة فيه. وأخيراً يهاجم حجة الإسلام الفلاسفة هجوماً عنيفاً فيما يتعلق بالحشر والنشر ويأخذ عليهم أنهم ينكرون أصلا ثابتاً من أصول الدين. وفي نهاية هذه القضية الطويلة يعلن حكمه وبعد الفلاسفة السابقين مبتدعين في سبع عشرة نقطة وكفاراً لثلاث هي قولهم بأن الله يعلم الكليات لا الجزيئات وادعاؤهم قدم العالم وأبديته وإنكارهم لحشر الأجساد

لسنا بصدد أن نستأنف في هذه الجلسة حكم الغزالي السابق، لا سيما وقد صادف عين الحقيقة في مواطن كثيرة. إلا أنا نلاحظ أن صاحبه متحد أحياناً ومبالغ في نقده. ولا أدل على هذا من أنه اعتنق بعض الآراء التي نقدها والتي قال بها الفلاسفة فهو يفسر مثلا علم الله تفسيراً يشبه كل الشبه تفسير الفلاسفة ويعتقد بخلود الروح ويعده مبدأ ثابتاً من مبادئ الإسلام. وموقف الغزالي هنا ضعيف في الحقيقة للغاية، فإن صوفياً وتكلما يرد على أشخاص يثبتون خلود الروح يناقض نفسه تمام المناقضة. وفكرة النبوة الفلسفية التي يرفضها الغزالي في تهافته يقول بها في كتابه المنقذ من الضلال

أمام هذا التناقض لم يتردد ابن رشد في أن يرفض ما قاله الغزالي وأن يثبت (تهافت التهافت). وقد بذل عناية كبيرة في الدفاع عن أرسطو وإخوانه الفلاسفة المسلمين. ذلك لأنه كان يرى مثلهم ضرورة التوفيق بين الدين والفلسفة وترك كل واحد منهما آمناً بجانب الآخر. ويعلن أن شبه الخلاف بين هذين الطرفين راجعة إلى الخرافات التي ألحقت بالدين، أو إلى الادعاءات الفلسفية التي يدعيها من يزعمون أنهم حكماء وليس لهم من الحكمة نصيب. وهذه الأباطيل جنت على الدين والفلسفة وباعدت بينهما؛ (فأن الأذية من الصديق هي أشد أذية من العدو، أعني أن الحكومة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة فالأذية ممن ينسب إليها أشد الأذية مع ما يقع بينهما من العداوة والبغضاء والمشاجرة وهما المصطحبتان بالطبع بالجوهر والغريزة). غير أن ابن رشد سلك إلى التوفيق بين الفلسفة والدين سبيلا أخرى غير تلك التي سلكها الفارابي وابن سينا. فأنه كان يعتقد أن سلامة الدين والفلسفة أن يعزل كل واحد منهما عن الآخر، فلا تضاف عناصر فلسفية إلى تعاليم الدين، ولا تصبغ الفلسفة بصبغة دينية. لأن لغة رجال الدين يجب أن تختلف عن لغة

<<  <  ج:
ص:  >  >>