العرفي من القرآن والأحاديث التي كانوا يرونها صحيحة فلذلك ليس من العجب أن نجد إلى جانب الأحاديث كثيراً من القضايا والأحكام تتعلق بها لاسيما في الجامع الصحيح للبخاري. فإن صاحبه في تراجم الكتب والأبواب كثيراً ما يذكر آراء الفقهاء التي تدخل في موضوعه حتى ولو لم تتفق والأحاديث المذكورة أو أعوزت الأحاديث كل الاعواز. وإن لنا الحق في أن نفترض أن كل حديث ذي صلة بمسائل الفقه كان يلازمه أصلا رأي فقهي مطابق له حتى ولو كان هذا الرأي قد اختفى. والأحاديث - سواء أكانت صحيحة أم مطعونا فيها - هي في الواقع مصدر من الدرجة الأولى لفهم هذا التطور القديم للفقه، وعلى الباحثين أن يطابقوا بين الآراء الفقهيّة التي تعبر عنها الأحاديث وحالة الأشياء الحاصلة بعد استكمال الفقه على صورته النهائية. وأود أن أورد لكم بضعة أمثلة لهذه الطريقة - طريقة المطابقة بين الأحاديث الشرعيّة والفقه
فالنص الأساسي للّعان، وهو مثالنا الأول، هو الآية الآتية:(والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) هذا النص لا يفصل في مسألة النكاح: أيقتضي اللعان فسخه ضرورة أم لا. فجميع مذاهب الفقه تقول بالإيجاب، وتستند في ذلك إلى أحاديث. ولكن تلك الأحاديث تثبت هذا الرأي بصورة جازمة قوية حتى أن الرأي العكسي لابد أن يكون قد وُجد قبل تأليف المذاهب. ويقال إن مصعب بن الزبير قد أخذ بهذا الرأي الآخر، لكن هذا القول لا أصل له؛ ولكن الخبر المنفرد عن عثمان البَتي أنه كان يرى ذلك فيؤكده متن الأحاديث نفسه. فأما فسخ النكاح عند اللعان فقد يحتمل أن يكون على ثلاثة وجوه: أن يفسخ النكاح بالطلاق الذي يجب أن يصدر عن الزوج، أو أن يفسخه القاضي المشرف على أداء اللعان، أو أن ينفسخ بوقوع اللعان نفسه. والرأي الأول يطابق بلا ريب المعنى الواضح لطائفة كبيرة من الأحاديث، بينما لم يبقَ له أثر ما في الأقوال المروية عن الفقهاء الأقدمين ماعدا جدال منفرد ضدّه؛ ولابد أن يكون قد اندثر من زمن بعيد، وقد فسّرت تلك الأحاديث على أنها مؤيدة للرأي الثاني، وهذا الرأي تشهد به أحاديث أخرى كثيرة، ويصفه الزهري بأنه سنّة، وهو مذهب الحنفية؛ ومن الراجح على الظن أن مالك بن أنس قد أخذ به شخصياً في حين أن المالكية قد آثروا عليه الرأي الثالث. وهذا قد أخذ به الشافعي ومن