هاتان الجملتان تبدوان للقارئ السطحي تكراراً، لكن القارئ الدقيق الإحساس يستطيع أن يتبين فيهما فرقا أراده الشاعر المصري القديم. هو يريد أن يأخذ يد الداخل إلى القبر فيضعها على ما في القبر من نقوش وتحف اكثر مما فيه من شيء آخر. أليس في هذا منتهى دقة الحس ونعومة التصوير؟
الجناس
وكما يشتهر المصريون في الوقت الحاضر بحبهم الشديد للجناس اللفظي الذي تفيض به الأغاني والأشعار الدارجة فان أجدادهم المصريين القدماء هم أصل التراث الفني البديع الذي يلذ للقارئ أن يطالعه وينعم بفكاهاته.
خذ مثلا الأغنية المصرية الدارجة:
يا دي الجمال والدلال والحب ونهاره
والشَّعر فوق الجبين كالليل ونهاره
والدمع فاض م الجفون كالبحر وانهاره
قلبي أسير في هواك ويحل انهاره؟
والكلمات الأخيرة في كل الأبيات متشابهة النطق لكنها تؤدي معاني مختلفة تمام الاختلاف.
مثل هذا الجناس كثير في الشعر المصري وجميل لكنه مستحيل الترجمة لأن اللعب فيه يدور على الألفاظ في علاقاتها بالمعاني، فإذا ما تغير اللفظ بترجمته فقد الجناس بطبيعة الحال. ومع ذلك فسأحاول أن أنقل هنا بضعة شطرات من هذا الشعر الذي يحتوي الجناس وأنا أعربه عن المصرية بتصرف كبير لأوفق فيه ألفاظ الجناس وأقربها للفهم لا أكثر ولا أقل، هي قصيدة طويلة في وصف عربة الحرب قال فيها واصفها:
(عرفت رأسها كل البلاد وخر لها القواد)
ورأس العربة أي مقدمتها، وإذ دخلت في ركاب الملك كل البلاد فقد عرفتها، ولأنها مصنوعة على شكل رأس كبش رمزا لآمون إله هذا العصر فان القواد جميعهم خروا سجداً لهذا الرأس. ثم يقول:
(مقابض عربتك عنات وعشتر)
يريد بذلك من جهة مقابض العربة التي يمسكها الملك وهو يحارب فيها، من الجهة الأخرى