ولعل جراسيا ديلليدا هي القصصية الوحيدة التي تبتعد بفنها الروائي عن الجو العالمي لتعيش في دائرة جزيرتها الضيقة (سردينيا) بين القرويين ورعاة الأغنام لتصور حياتهم أروع تصوير في مؤلفاتها التي تحمل طابعي السذاجة والبراءة والدعوة إلى التمسك بأهداب الفضيلة
وعلى الرغم من أن هذه القصصية المجيدة أحرزت جائزة نوبل في الأدب، وانتخبت عضواً في أكاديمية روما وفي مجمع الخالدين الذي أسسه موسولني عام ١٩٢٦، وعلى أنها محور الحياة الأدبية في إيطاليا، فهي عزوف عن الشهرة، وتتحاشى جهدها الظهور في المحافل والأندية، أو بث الدعاية لفنها في الصحف والمجلات
وقد تجلت موهبة ديلليدا القصصية في روايتها (الأم) التي ظفرت من أجلها بجائزة نوبل، وهي عبارة عن مأساة قسيس شاب نفذ الحب إلى أعماق قلبه فقهره واستولى على لبه حتى غلب على أمره وأصبح خاضعاً لسلطانه بحيث أفسد عليه وظيفته الروحية المقدسة
ولكن ليس هذا كل ما في الأمر، (فالأم) التي خصصت حياتها لمحبة ابنها ووهبته للكنيسة وخدمة مجد الله حتى غدا قسيسا يصل بينها وبين السموات المشرقة، هذه الأم قدمت من الريف يوما تطلب ابنها فإذا بهذا الذي أودعته ذرات حياتها وتفكيرها، وعلقت عليه آمالها في الحياة الأخرى، تأسره امرأة فيصغي لنداء القلب، ويهجر مركزه الكنسي كي يتفرغ لشؤون الحب والحياة
وفي الساعة التي تذهب فيها الأم إلى الكنيسة لتضرع إلى الله واجفة القلب، دامعة العين أن يحرس وحيدها ويلهمه الرشد، إذا بالابن يتقدم في خطى ثابتة نحو المحراب الذي تصلي الأم على مقربة منه ليتجرد من ملابسه الدينية ويخرج من الكنيسة، فتصعق الأم وتفيض روحها إلى جانب المحراب
وقد أصبح (الأم) عنوانا مألوفا في إيطاليا، فإن ملحمة كاردوتشي الشعرية التي ظفر من أجلها بجائزة نوبل كانت موسومة باسم الأم، ومعهد الأمومة الدولي الذي أسس بسردينيا أطلق عليه اسم (الأم)
وقد ذكر النقادة الإيطالي ستاينس رويناس محرر صحيفة التريمونا، في دراسة أدبية عن قصص ديلليدا: (أن فنها الروائي يدور حول التفاؤل بالخير لأنها تؤمن بأن الله دائماً ضد