محاربتهم في أرزاقهم المستقبلة، فحظرت على الناشرين الألمان أن يعاملوهم، ومنعت كتبهم من دخول ألمانيا، ولكن ذلك لم يفت في عزم أولئك الكتاب الأحرار، فقد لقوا ضيافة حسنة في إنكلترا وفي فرنسا وفي سويسرة، ورحبت دور النشر في هذه البلاد بالتراجم الإنكليزية والفرنسية لكتبهم الجديدة، وأخذ الأدب الألماني الرفيع ينمو ويزدهر في المنفى
وقد نشأ الأدب الألماني في المنفى سامياً بطبيعة الظروف التي أحاطت به، وكان طابع الكفاح والعرض السياسي ومقارعة الفكرة والعاطفة يغلب عليه أولا؛ ومن هذا النوع كتاب هيزيخ مان (البغضاء) وهو كتاب تاريخي رائع، وقصة سياسية بقلم ليو فويختفانجر عنوانها (أخوة أوبنهايم) ظهرت في أمريكا سنة ١٩٣٣؛ وأخرى بقلم بالدر أولدن وعنوانها (قصة نازي) وقد ظهرت في إنكلترا.
ولم يفقد الأدب الألماني عبقريته في المنفى، فقد دلل على أنه ما زال يحتفظ بهذه العبقرية في سلسلة من الكتب والقصص القوية المختلفة في نوعها وفنها؛ ونستطيع أن نذكر منها (هندنبورج) بقلم رودلف أولدن؛ و (شباب هنري الرابع ? لهزيخ مان، وآخر المدنيين لارنست جليزر، (والمائة يوم) ليوسف روت، و (النغم المؤسي) بقلم كلاوزه مان، ويوجد الآن تحت الطبع عدة كتب وتراجم هامة منها: ترجمة لبطرس الأكبر، وأخرى لهتلر. ويلاحظ مع ذلك أن الصبغة التاريخية والسياسية مازالت تغلب على معظم الكتب الممتازة بين تراث الأدب الألماني في المنفى. مثال ذلك كتاب (هندنبورج) لرودلف أولدن؛ وقد كان أولدن محامياً كبيراً ومحرراً في جريدة (البرليز تاجبلاط)؛ وكتابه ينم عن قوة في العرض ودقة في التمحيص والتصوير؛ وفي رأيه أن الماريشال الراحل، عميد الجمهورية الألمانية ورمز ألمانيا مدى أعوام طويلة، لم يكن سوى بروسيا؛ وأنه لم يكن رجل سياسة وتفكير قط، وإنما كان جندياً يؤمن بسيادة الطبقات، وأن سيادة الطبقة البروسية هي مصدر قوة ألمانيا وعظمتها، وعما قليل أيضاً يصدر كتاب (هتلر) لاميل لودفيج والمنتظر أنه كباقي تراجمه سيكون قطعة رائعة من التصوير النفسي
وكذلك كتب القصص، فأن يوسف روت يصور لنا في قصته (المائة يوم) صورة الطاغية (نابليون) الذي يكفر في العزلة والمنفى عن جرائمه وزلاته، ويتدبر الآلام والمظالم التي أنزلها بالأمة والشعب والوطن، ثم هو يقضي وحيدا، ويغمر أعوامه الأخيرة فراغ هائل،