الدول أمام الأمر الواقع بمقترحاتها السلمية التي سجلها هتلر في خطابه، وخلاصتها أن ألمانيا على أهبة لأن تعقد ميثاقا بعدم الاعتداء مع فرنسا وبلجيكا لمدة خمس وعشرين سنة لكي تضمن سلامة الحدود بين ألمانيا وبينهما وأن تعفي إنجلترا وإيطاليا من ضمان هذا الميثاق، وأن تعقد ألمانيا بينهما وبين الدول الغربية ميثاقا جويا بعدم الاعتداء؛ وأنها أي ألمانيا على أهبة للعودة إلى عصبة الأمم بعد أن تقرر حقها كاملا في المساواة وأعيدت سيادتها كاملة وزال بذلك سبب خروجها من العصبة؛ وأنها تؤمل أن توضع تسوية معقولة لمسألة المستعمرات، وأن يفصل عهد عصبة الأمم من معاهدة فرساي؛ فهذه الاقتراحات الإيجابية كانت أيضاً عاملا آخر في شل سياسة العنف والمقاومة وتمهيد الطريق إلى محاولة أوربية جديدة في سبيل التفاهم وعقد المواثيق الجديدة
ولا حاجة بنا لأن نتبع هنا تلك المباحثات والمفاوضات المشعبة التي تدور في لندن منذ أكثر من أسبوعين؛ ويكفي أن نقرر أن السياسة الإنكليزية فازت بتحقيق الشطر الأول من برنامجها فحالت دون الصدام الخطر الذي كانت تثيره سياسة العنف حتما، وحملت فرنسا على التزام جانب الاعتدال والتروي، واتخذت لنفسها مرة أخرى دور الوساطة والتوفيق؛ ومهدت لاشتراك ألمانيا في المفاوضات الدائرة لتصفية الموقف وعقد تسوية جديدة على الأسس التي تقترحها إنكلترا بالاتفاق مع دول لوكارنو. وقد تمت المرحلة الأولى من هذه المفاوضات بعقد اتفاق تمهيدي بين دول لوكارنو وهي إنكلترا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا خلاصته أن تتعاون هيئات أركان حرب هذه الدول في وضع الخطط اللازمة لرد الاعتداء المدبر، وأن يرفع الميثاق الفرنسي السوفيتي إلى محكمة لاهاي لتقرير ما إذا كان مخالفاً لميثاق لوكارنو أم لا؛ وفي أثناء ذلك يجب أن تسحب ألمانيا جنودها من منطقة الرين، إلى مسافة عشرين كيلومتراً داخل حدودها الغربية وتحتل هذه المنطقة قوة رمزية من الجنود الدولية حتى تتم التسوية النهائية، ولا تزيد ألمانيا جنودها في منطقة الرين عما هي عليه، ولا ترسل إليها مواد حربية، ولا تنشئ فيها مطارات أو تحصينات، وتتولى الإشراف على تنفيذ هذه الشروط لجنة دولية محايدة؛ وتتعهد فرنسا وبلجيكا من جانبهما بالمحافظة على الحالة الراهنة عند الحدود، وهذا مع تعهد دول لوكارنو بالمحافظة على تعهداتها تأميناً لسلامة فرنسا، فإذا وافقت ألمانيا على هذه التسوية التمهيدية فإنها تدعى للاشتراك في