ولا أقصد بذلك أن مثل هذا الأدب غير مفيد في توسيع مجال الخيال، وتنويع الصور المتخيلة وتوطيد قواعد الأدب المصري من حيث صلته بالآداب الأخرى. وإنما أقول إنه مهما كان فيه من المميزات فهو أدب دخيل لا أدب أصيل. أدب لا علاقة له بثقافتنا التقليدية، فهو من طبع غير طبعنا وفطرة خلاف فطرتنا. إنما هو أدب تصويري لا أدب حقيقي، مقيسة معابيره بمقياس حياتنا الخاصة ومحيطنا الخاص. أدب لا تهضم منه فطرتنا إلا القليل النادر. هذا على اعتبار أن العلم بالأدب شيء وهضمه وتمثيله في الروح شيء آخر، ولن يكون للأدب من أثر في الحياة إلاّ بأن تمثله الروح فيصبح جزءاً منها، فتسترشد بِمُثُله، وتتعظ بِمثُلاته، وتدرك منه الحقائق إدراك استيعاب لا إدراك علم بها دون الإيمان بما فيها من حق وواقع
وما أريد أن أستطرد في ضرب الأمثال فإن فيما أوردت منها غنى عن ذكر غيرها. ذلك بأن كثيراً مما نقرأ في الصحف والمجلات وكثير من المؤلفات يجري هذا المجرى ويسيل هذا السيل، حتى لقد أصبح أدبنا الحديث لكثرة ما فيه من الرقع والرتوق، ولكثرة ما فيه من صور الأمم الأوربية كأنه (عصبة أمم) أخرى، ولكن في صحف سطرت بكلمات عربية
في وسط هذه الصور العجيبة المتنافرة، وفي غمرة تلك الفوضى السائدة في الأدب على مختلف ألوانه، وعلى متضارب وجوهه، ومتباين ضروبه، أتقع على الأدب المصري الصحيح الذي يمثل الروح المصرية؟ بكلمة واحدة أقول (لا)؛ وبودي لو يتسنى لي أن أكتب كلمة (لا) في صحيفة وحدها وبأكبر قطع تعرفه المطابع العربية
يشعر كل المشتغلين بالأدب، أدباء كانوا أو طلاب أدب، نقاداً كانوا أو قارئين، بأن بين الأدب الذي يعكفون على درسه أو قراءته وبين نفوسهم بوناً شاسعاً، وأن بينه وبين أرواحهم الممثلة في أخيلتهم ومشاعرهم وعواطفهم وأمزجتهم صدعاً متنائيا. وقد يأخذهم القلق حيناً، وقد تتملكهم الريبة أحياناً في أحقية ذلك الأدب بالبقاء في بيئة لا تعرفه ولا يعرفها، ولكن قلقهم لا يلبث أن يهدأ، وريبتهم لا تني إلا قليلا حتى تزول، إذ يرون أن ذلك الأدب أدب الساعة لا أدب العمر، مستدلين على ذلك بأن الآثار الأدبية التي ظهرت في العشرين عاماً الماضية لم يفلح جماعها في تكوين مذهب واحد ثابت الدعائم قوي الأركان